فما معنى هذا ، إن لم يكن أنّهم مسئولون عن الجرائم الّتي دعوا إليها ، مسئوليتهم عما ارتكبوا؟ ..
ونكرر كذلك أنّ ضحاياهم لن يعفوا مطلقا من خطيئتهم ، الّتي هي إستسلامهم للضلال. وقد أنذرنا القرآن في مواضع كثيرة بأنّ عبء الأتباع لن يصير أقل ثقلا ، وهو يعبر عن هذه الحقيقة في شكل مناقشة تنشب يوم القيامة بين طائفتي المذنبين ، وهي مناقشة يبقى مبدؤها ، وحلّها دائما ثابتا لا يتغير : فالضعفاء الّذين يريدون أن يتبرأوا من خطاياهم يلقونها على هؤلاء الّذين أوقعوهم في الضّلال ، على حين أنّ هؤلاء يبتعدون عنها ، ويتنصلون منها ، وتنتهي المناقشة دائما بإدانة الطّرفين (١). ولكن بما أنّ الرّعاة ـ فضلا عن مسلكهم الشّخصي ـ قد أسهموا بقدر معين في معصية القطيع ، فإنّهم يجدون أنفسهم ذوي مسئولية إضافية ، ناشئة عن علاقة السّببية الّتي يتحملونها بالنسبة إلى جرائم أخرى غير جرائمهم. فهم
__________________
(١) انظر قوله تعالى : (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ) البقرة : ١٦٦ ـ ١٦٧.
وقوله تعالى : (قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) الأعراف : ٣٨ ـ ٣٩.
وقوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ) سبأ : ٣١ ـ ٣٢.
وقوله تعالى : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) الزّخرف : ٣٦ ـ ٣٩.