مسئولون من وجهين ، لأنّهم كذلك مذنبون من وجهين. والمجرم الّذي يقترف كثيرا من الفواحش لا يمكن بداهة أن يعامل بنفس الطّريقة الّتي يعامل بها من لم يرتكب سوى واحدة ، والله يقول : (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ) (١).
وفي مقابل ذلك ، كلّما عدمت علاقة السّببية ، أو التّوسط بين مسئولين كثيرين وجدنا المسئولية تنكمش ، وتتفرد ، بالمعنى الدّقيق للكلمة ، وهو قوله تعالى : (لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) (٢) ، وقوله : (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) (٣) ، وقوله : (قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (٤).
وإذا كان الأمر كذلك فليس هناك أثر من التّعارض ، حتّى ولا الإستثناء ، الّذي يرد على القاعدة العامة. ولسوف تقدم لنا دراسة هذه الحالة الأولى ـ بالعكس ـ بعض التّحديد للطريقة الّتي يتصور بها الإسلام المسئولية الفردية. إنّها فكرة واسعة جدا ، أكثر إتساعا من جميع النّصوص الّتي تثيرها. فالإنسان ليس مسئولا فقط عن الأعمال الّتي يدعو إليها في صورة تدخل إيجابي ومباشر لدى الآخرين ، حين يصدر إليهم أوامر ، أو نصائح ، أو ايحاءات ، وليست المسئولية فقط هي مسئولية القدوة الّتي تأتي من أعلى لتنتشر بين الجماهير ، بفضل مهابة صاحبها وحدها ، بل إنّ كلّ مبادرة ، حسنة ، أو سيئة ، من أية جهة كانت ، سيكون
__________________
(١) النّحل : ٨٨.
(٢) الشّورى : ١٥.
(٣) هود : ٣٥.
(٤) سبأ : ٢٥.