مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) (١) ، وبين النّصوص الأخرى ، وبخاصة قوله تعالى : (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢) ، وقوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً) (٣) ، وهي تقرر العكس تماما. واقرأ الحديث المشهور عن أبي هريرة رضى الله عنه عن النّبي صلىاللهعليهوسلم قال : «ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه» (٤).
لقد قال المفسرون ، كيما يتخلصوا من هذا التّعارض ، إنّ آية الطّور الأولى لا تتعلق مطلقا بمجازاة ، ولكنه محض فضل يسبغه الله عليهم ، غير الجزاء المستحق لهم ، وعليهم فهم يضيفون أنّ فضلا من هذا القبيل لا يصح أن يخضع لقاعدة. وكلّ ما تريده الأخلاق هو ألا يحرم شخص من حقوقه : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (٥) وقال تعالى : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) (٦) ، فإذا ما قدمت العدالة المطلقة لكلّ إنسان حقّه فلا شيء يحول دون أن ينعم الله على من يشاء بأكثر مما يستحق.
ولقد نستطيع أن نعترض أوّلا بأنّ مجرد رفع المقصر إلى درجة يستحقها
__________________
(١) الطّور : ٢١.
(٢) البقرة : ١٣٤.
(٣) لقمان : ٣٣.
(٤) انظر ، صحيح مسلم : ٤ / ٢٠٧٤ ح ٢٦٩٩ ، شرح النووي على صحيح مسلم : ١٧ / ٢٢ ، الرّسالة السّعدية للحلي : ١٦٣ ، نهج البلاغة : ٤ / ٦ الحكمة (٢٣) ، عيون الحكم والمواعظ : ٤٥٤ ، صحيح ابن حبان : ١ / ٢٨٤ ح ٨٤ و : ٣ / ٤٥ ح ٧٦٨ ، سنن التّرمذي : ٥ / ١٩٥ ح ٢٩٤٥ ، سنن الدّارمي : ١ / ١١١ ح ٣٤٥ ، سنن ابن ماجه : ١ / ٨٢ ح ٢٢٥ ، مسند أحمد : ٢ / ٢٥٢ ح ٧٤٢١ ، مستدرك الوسائل للنوري : ٣ / ٢٦٣.
(٥) الزّلزلة : ٧ ـ ٨.
(٦) الأنبياء ٤٧.