عن المشفوع له متوسلا ببعض فضائله ، وهو توسل ينبغي أن يطابق الواقع ، فها نحن أولاء نرى أنّ دور الشّفيع لا يعدو أن يكون دور شاهد نفي ، أو مدره موثوق به ، مهمة إكمال جهاز العدالة المعقد ، وعمل الشّفيع في هذه المهمة الجليلة أن يعلن الصّفات ، والحسنات الصّالحة الّتي تعوض سيئات المؤمنين ، وأن يبرر العفو عنهم ، أو استحقاقهم للمثوبة (١).
وهكذا نرى أنّ الشّفاعة بهذا المعنى ، تسبغ شرفا مزدوجا على المدافع والمدافع عنه. ولكن هيهات أن تكون القضية دائما رابحة. ذلك أنّ أحاديث الشّفاعة نفسها تذكر لنا حالات أخطأ فيها الشّفيع في صحة الوقائع المروية ، وحينئذ ينسحب الدّفاع ، ويتنازل عن مسعاه بمجرد علمه بالحقيقة.
__________________
(١) وهكذا نرى أنّ أحاديث الشّفاعة تضمنت خمسة أنواع من الشّفاعة كما أشرنا إليها سابقا ، وهي :
«١» الشّفاعة العامة الّتي يرغب فيها النّاس إلى الأنبياء ، نبيا بعد نبي حتّى يريحهم الله من مقامهم.
«٢» الشّفاعة في فتح الجنة لأهلها.
«٣» الشّفاعة في دخول من لا حساب عليهم الجنة.
«٤» الشّفاعة في إخراج قوم من أهل التّوحيد من النّار.
«٥» الشّفاعة في تخفيف العذاب عن بعض أهل النّار.
ويبقى نوعان يذكرهما كثير من النّاس :
«آ» الشّفاعة في قوم استوجبوا النّار فيشفع فيهم أن لا يدخلوها. وهذا النّوع لم أقف إلى الآن على حديث يدل عليه ، وأكثر الأحاديث صريحة في أنّ الشّفاعة في أهل التّوحيد من أرباب الكبائر ، إنّما تكون بعد دخولهم النّار ، وأمّا أن يشفع فيهم قبل الدّخول فلا يدخلون ، فلم أظفر فيه بنصّ.
«ب» شفاعته صلىاللهعليهوآله لقوم من المؤمنين في زيادة الثّواب ، ورفعة الدّرجات ، وهذا قد يستدل عليه بدعاء النّبي صلىاللهعليهوآله لأبي سلمة وقوله صلىاللهعليهوآله : «أللهمّ أغفر لأبي سلمة ، وأرفع درجته في المهديين».
انظر ، السّيرة النّبوية لابن هشام : ٢ / ٥٩ ، دار إحياء التّراث العربي بيروت ، تهذيب سنن أبي داود : باب الشّفاعة ، ح ٤٧٣٠.