عن درجة الحذر الّذي نستخدمه في سلوكنا لمواجهة واجباتنا الدّقيقة. فإذا كنت في حالة المنع قد كسبت قدرا من الإنتظام في الرّقابة على شهواتي وضبطها ، فإنّي أستطيع أن أحكم بقدر من الإحتمال : بأنّ اعتبار القانون في حالة الإباحة هو الّذي يحكم سلوكي ، ويقيد حاجاتي ؛ وأمّا إذا كنت ، في حالة الصّراع بين الواجب ، والهوى ، أعترف بأنّ الهوى هو الّذي يتسلط غالبا ، فلسوف يثبت لي أنّه في حالة اتفاقهما ـ ستكون الطّبيعة أيضا هي الّتي تحكم لديّ ، وتمضي كلمتها.
ولقد وصف القرآن على نحو كاف هذا الموقف المضطرب وفضحه ، وهو الموقف الّذي يغير وجهه غالبا أمام الشّرع ، فتارة يخضع له ، وأخرى يفارقه ، تبعا لما يجد ، أو يفتقد ، من إشباع حاجاته الأنانية ، فقال سبحانه : (وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (١).
كلا ... فسلطة الواجب بالنسبة إلى شهواتنا يجب أن تكون مطلقة غير مشروطة ، وليس أمامنا إلّا أن نذعن لها طوعا ، أو كرها : (إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا) (٢).
وذلكم هو شعار المؤمنين الثّابت أمام الأوامر المختلفة ، لله ورسوله : (سَمِعْنا وَأَطَعْنا.)
__________________
(١) النّور : ٤٧ ـ ٥٠.
(٢) النّور : ٥١.