وفي احترام هذه العلاقة المتدرجة ، أو عكسها بتقديم ما ينبغي أن يتأخر ، تكمن السّمة الّتي يتميز بها الهوى المستنير ، الّذي يعتبر إشباعه طبيعيا ، ومباحا ـ عن الهوى الأعمى الّذي لا يفتأ القرآن يحذرنا منه.
بيد أنّه لا يكفي أن يكون الهدف الّذي يتوخاه المرء من بين المباح ، في ذاته ، بل يجب أيضا ، بموجب الشّرط الثّاني ـ أن يكون العمل الّذي يستهدفه من شأنه أن يستخدم أخلاقيا ، كوسيلة لبلوغ هذه الغاية.
وهنا تتدخل فكرة «الغائية» ، بكلّ تعقيداتها (١) ، فإنّ أهدافنا من هذا العمل ، أو ذاك لن تقوم في ذاتها فحسب ، بل بإعتبار اتفاقها ، أو اختلافها مع أهداف الشّرع من هذه الأعمال.
هل يوجد ـ مثلا ـ بالنسبة للإنسان ، اهتمامات أكثر طبيعية من اهتمامه بأن يعيش دون مفاجآت كبيرة ، وبأن يخلق صداقات متينة مع إخوانه؟ .. بيد أنّ الإنسان لكي يبلغ هذه الغايات يملك طريقا طبيعية جدّا ، لا معابة فيها ، ولا ملامة. فلكي يعيش ماديا ، ما عليه إلا أن يبذل جهوده في الإنتاج ، أو في المبادلات ، أو في بعض المهام الشّريفة ، والمنتجة ، لكي يكسب موّدة أصدقائه حسبه أن يتصرّف حيالهم بأكثر الطّرق مجاملة ، وأقلها طلبا ، وأعظمها سماحة بقدر ما يطيق.
وعلى أيّة حال ، فليست طقوس العبادة ، ومآثر الإحسان بالتي نستحق أن نطمح بها إلى تقدير النّاس ، أو نؤمل مساعدتهم ، فإذا اتخذ المرء هذه الأعمال
__________________
(١) سوف نرى أنّها معقدة تعقيدا مضاعفا ، إذ يجب أن ننظر في العمل الواحد إلى غايات الشّرع ، وغايات الذات ، أساسية كانت ، أو ثانوية.