فأمّا لدى النّاس : فقد وضحناه فيما سبق ، وإنّا لنعرف أنّ الشّريعة الإسلاميّة تحرم على العلماء ، والقضاة أن يمسوا شيئا من عامة النّاس.
وأمّا من الله : لأنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لن يدخل أحدا عمله الجنّة» (١). وهو يقصد بذلك أنّ العمل وحده لا يكفي.
وليس ينقص من صدق هذه الحقيقة أنّ الإنسان بوصفه موضوعا للإحسان والعدل الإلهي سوف يدعى إلى أن يجني ثمرات عمله. فعند ما يجيء الإنسان ليطلب ، لا أقول : «مستحقّه» ، ولكن : ما «وعد به» ، فهل يكون هذا الطّلب منه سوى اتفاق مع مشيئة الله المجازي ، إن لم يكن مع مشيئة الله المشرع؟ ..
ولنذكر إلى جانب ذلك حقيقتين لا يستطيع أن ينكرهما أحد ، حتّى من وجهة نظر التّشريع ، (أولاهما) : أنّ هذين الصّنوين المتشابهين : الخوف ، والرّجاء ، هما في نظر الدّين صفتان جديرتان أن يقصدا لذاتهما ، فهما أشبه بجناحين لازمين لتحليق الإيمان ، والتّقوى ، وارتقائهما.
وكذلك نجد أنّ فظاظة القلب ، وقساوته تعدان في نظر كلّ النّاس داء يصيب الأنفس الجاحدة ، ولقد أفاض القرآن في هذا المعنى ، شأنه شأن جميع الكتب المقدسة.
(والحقيقة الثّانية) : أنّ هذه المشاعر الدّينية نفسها يمكن شرعا أن تستخدم دوافع لأعمال تتناسب معها. ولا أحد ينازع في أنّ الآلام الّتي يحسها المؤمن ، أو
__________________
(١) انظر ، صحيح البخاري : ٥ / ٢١٤٧ ح ٥٣٤٩ ، شرح اصول الكافيى : ٨ / ٢٢٩ ، تفسير القرطبي : ٧ / ٢٠٩ ، صحيح مسلم : ٤ / ٢١٧٠ ح ٢٨١٦ ، المعجم الأوسط : ٨ / ٧٤ ح ٨٠٠٤ ، أمالي السّيّد المرتضى : ٢ / ٢٠ ، مسند أحمد : ٢ / ٢٦٤ ح ٧٥٧٧ ، مسند أبي يعلى : ٧ / ٦٣ ح ٣٩٨٥.