ولكن أداء المرء لواجبه نحو الله ، ونحو الأقربين ، بنّيّة أن يكون شخصا بارزا في النّاس ، ينظرون إليه بإعجاب ، ويقولون فيه خيرا ـ فتلكم هي الأنانية المنكرة ، وإن ارتدت ثوبا مفرطا في الرّقة.
وليس المرائي ، كما ينبغي أن نوضح ، من يتخذ هيئة متكلفة ، ويقوم بحركات ظاهرة لا تتفق مع ما في قلبه ، وفكره ، وبإختصار : من يظهر خلاف ما يبطن ، ليخدع النّاس ، ففي هذه الحالة يتخذ الرّياء اسما آخر أكثر إجراما هو (النّفاق) ، والنّيّة السّيئة الّتي تحركة أكثر عمقا ، هي تلون المنافقين.
فرذيلة «النّفاق» مركبة ؛ أمّا رذيلة «الرّياء» فبسيطة. فالمرائي يبسط للناس مفاخره ، دون تلبيس لفكره ، أو إخفاء لمشاعره الخاصة تحت ظواهر خادعة ، إنّه يبسطها حتّى يراها النّاس ، ويعجبوا بها ؛ فهو يشعر بالحاجة إلى تشجيع خارجي يستثير جهوده ، وهو لا يجد لديه من القوة الخاصة المحركة ما يكفي لحفزه إلى أداء واجباته. ولا يجد هذا الحافز إلّا حيث يوجد الإستحسان ، والإعجاب ، والمدح ، والتّصفيق ، وسائر ردود الفعل المماثلة ، الّتي يتنفس بعدها الصّعداء.
هذا النّوع من التّطفل الأخلاقي ، لا ينبغي أن نتوقع له شيئا من الإغضاء ، على الرّغم من مظهره الوادع ؛ ولقد حكم القرآن على الأنفس الّتي تنشد ثمن الفضيلة في تقدير النّاس ـ حكما قاسيا ، غاية في القسوة ، فأعلن أنّ أعمالهم هباء ،
__________________
ـ الأنوار : ٨٦ / ٢١٥ ، فتح الباري : ٢ / ٣٧٤ ح ٨٤٥ ، الّتمهيد لابن عبد البر : ٢٤ / ٩٥٧ ، شرح الزّرقاني : ١ / ٣٢٩ ، تنوير الحوالك : ١ / ١٠٢ ح ٢٤٢ ، علل ابن أبي حاتم : ١ / ٢٠٤ ح ٥٨٨ ، الكامل في ضعفاء الرّجال : ٧ / ١٤٨.