برأيهم بالموافقة ، نذكر أصحاب أبي سليمان الدّاراني ، على حين أنّ علماء البصرة قد أيدوا الرّأي المعارض تماما (١). ولو أننا رجعنا إلى الضّمير العام ، فلن نعدم أن نلاحظ نفس التّعارض ، ونفس التّردد.
ألا تنطوي هذه الحيرة على تناقض في الفكر الأخلاقي ذاته ، وهو تناقض بين طريقتين في التّقويم ، كلتاهما مشروعة على سبيل الإحتمال؟.
أليست العبقرية ، وشرف الخلق ، والعظمة ، وطهارة النّفس ، كلّها موضوع تقدير ، وإعجاب لدى كلّ النّاس؟ ..
فإذا قارنا هذه الصّفات الفطرية بتلك الّتي تكتسب بالعمل فهل فعلنا سوى أن قابلنا الصّلب بالهش ، والدّائم بالمؤقت؟ ..
من ذا الّذي يتردد في أن يقول : أن يضع ثقته؟ ..
إننا لو خيرنا بين فنانين ، أحدهما يؤدي حركاته برشاقة ، وتلقائية ، والآخر لا يستطيع أن يؤدي نفس الحركة إلّا بعناء ، وعرق متصبب ، فمن الواضح أن نميز التّفوق عن التّوسط ، ونفضل دائما المطبوع عن المصنوع.
ييد أننا من ناحية أخرى ننظر إلى القولة المشهورة : (لكلّ بحسب أعماله) لا
__________________
(١) ونص هذه المسألة كما وردت في إحياء علوم الدّين : ٤ / ٤١. قال الإمام الغزالي : «فإن قلت : إذا فرضنا تائبين ، أحدهما سكنت نفسه عن النّزوع إلى الذنب ، والآخر بقي في نفسه نزوع إليه ، وهو يجاهدها ويمنعها ، فأيهما أفضل؟ فاعلم أنّ هذا مما اختلف العلماء فيه ، فقال أحمد بن أبي الحواري ، وأصحاب أبي سليمان الدّاراني : إنّ المجاهد أفضل ، لأنّ له مع التّوبة فضل الجهاد. وقال علماء البصرة : ذلك الآخر أفضل ، لأنّه لو فتر في توبته كان أقرب إلى السّلامة من المجاهد ، الّذي هو في عرضة الفتور عن المجاهدة. وما قاله كلّ واحد من الفريقين لا يخلو عن حقّ ، وعن قصور عن كمال الحقيقة .. إلخ» «المعرب».