كرامته كإنسان. ولكي نستعمل تعبيرا من تعبيرات النّبي صلىاللهعليهوسلم نقول : إنّ عدم وجود هذه الدّرجة الأولية لا يسمى ضعفا ، بل هو «عجز» حقيقي ، وذلك وارد في قول الرّسول صلىاللهعليهوسلم فيما رواه مسلم عن أبي هريرة : «أحرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ، ولا تعجز» (١).
بيد أنّ للجهد المبدع «معنى ثانيا» ، وهو لا ينحصر في إختيار إرادي ، أيّا كان نوعه ، بل في «إختيار صالح». ولا ريب أنّه إذا كان بحثنا ـ على سبيل الإفتراض ـ قد اتجه من قبل نحو الخير ، فإنّ جميع الحلول الّتي نحصل عليها سوف تبدو لنا صالحة. ومع ذلك فليس كلّ ما يستهدف خيرا هو بالضرورة صالح في ذاته ، ومشروعية الغاية لا تعفي من مشروعية وسائلها ، فلكي يكون الحل المتصور مقبولا لا يكفي أن يستهدف الخير ، بل يجب كذلك أن يستهلم الشّرع ، وأن يتطابق مع قواعده ، في بنائه ذاته. ولقد يحدث في الواقع أن يكون أحد الحلول كافيا جدا ليوصف بأنّه صالح ، وأن يكون حل آخر أقل من أن يستحق هذا الوصف.
ولنأخذ على ذلك مثال (الصّدقة) ، فلا شيء أوضح منها ، ولا أكثر اشتراكا بين جميع الضّمائر ، طالما حملت على معناها العام. ولكن متى طلبنا بدقة ما يريد
__________________
(١) انظر ، صحيح مسلم : ٤ / ٢٠٥٢ ح ٢٦٦٤ ، ونص الحديث : «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضّعيف ، وفي كلّ خير ، احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ، ولا تعجز ، وإن أصابك شيء فلا تقل : لو أنّي فعلت كان كذا وكذا ، ولكن قل : قدر الله ، وما شاء فعل ، فإن لو تفتح عمل الشّيطان». (المعرب). وانظر ، صحيح ابن حبّان : ١٣ / ٢٨ ح ٥٧٢١ ، سنن البيهقي الكبرى : ١٠ / ٨٩ ، سنن ابن ماجه : ١ / ٣١ ح ٧٩ ، مسند أحمد : ٢ / ٣٦٦ ح ٨٧٧٧ ، مسند أبي يعلى : ١١ / ١٢٤ ح ٦٢٥١ ، الفردوس بمأثور الخطاب : ٤ / ١٨٧ ح ٦٥٨٠.