ناحية معوّض بالزيادة ، وفيض الزّيادة من النّاحية الأخرى (١).
والواقع أنّ هدف جهد القديس ، أو الصّالح ليس : أن يتحاشى الكبائر ، ويتحفظ من السّقوط في «قاع» الأخلاق ، بقدر ما هو : أن يتحاشى التّوقف عند درجة من الكمال أية كانت ، وأن يصعد دائما إلى أعلى ، في الطّوابق العليا.
فالأخلاق عند القديسين ليست حربا ، بل هي بالأحرى حياة ، بكلّ ما تضمه الحياة من صراع في المسيرة ، وفي التّقدم ، ولذلك يشعرون أثناء فترات راحتهم القصيرة بأنّهم منادون إلى أن يبدأوا العمل ، وهذا النّداء الباطن يرتدي في القرآن شكل دعوة صريحة إلى النّبي صلىاللهعليهوسلم : (فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ) (٢).
وهكذا يتضح أننا أبعد ما نكون عن القول بأنّ أي مخلوق ، مهما كان ، يمكن أن يعفى نهائيا من الكفاح ؛ بل إننا نرى كيف ينفتح أفق لا حدّ لرحابته أمام الأنفس الطّاهرة المخلصة كيما تبذل جهدها. فحتى لو انتهت مقاومتنا ضد الأهواء المضادة للشرع ، فإنّ علينا أن نقهر خمود المادة ، وأن ننتصر على تثاقل الفطرة ، كيما نحلق في آفاق تزداد على مرّ الزّمن رقيا.
ومن هنا تنبع هذه النّتيجة الّتي لم يسبق إليها أحد ، والّتي تبدو في الظّاهر متناقضة : إنّ «القداسة» ـ بدلا من أن توضع خارج الأخلاق ، سوف تكون ـ بالعكس ـ «الأخلاقية بأجلى معانيها». وتلك على ما نعتقد وجهة نظر القرآن ،
__________________
(١) أدرك القشيري جيدا فكرة هذا التّعويض : (انظر ، الرّسالة ـ فصل الإرادة : ٩٢) ، ويأتي بعده بزمن طويل ابن عباد ليلاحظ ملاحظة مماثلة ، بمناسبة المقارنة بين السّالك المجذوب ، والمجذوب السّالك. (انظر ، الرّسائل : ٤٠ ـ ٤١).
(٢) الإنشراح : ٧ ـ ٨.