على لسان المسلمين هذه المقالة الدّالة على الإيمان : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) (١) ، فإنّ هذا النّفي ألا يتوجه فقط إلى الفرق المتعلق بحدث الإيمان ، أعني (الإعتقاد ببعضهم ، والإنكار لآخرين منهم) ، كما تدل عليه الآية الكريمة : (إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً (النّساء : ١٤٩) إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (النّساء : ١٥٠) أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) (٢) ـ بل ينبغي أن ينصرف أيضا إلى كلّ تفرقة تتجلى في تقدير يضفى على بعضهم ، ويحرم منه آخرون.
ومن هنا ، فيما نعتقد كان موقف القرآن ، في أنّه لم يتبع التّرتيب التّأريخي ، فهو لا يسير على أي نظام محدد في تعداد الأنبياء ، بحيث إنّ نفس الاسم ، المنسوب إلى نفس المجموعة ، لا يظهر دائما في نفس الموضع ، على هذه القائمة.
وفي رأينا أننا حين نقرأ أسماءهم في أنساق متنوعة ، فإنّ الهدف من ذلك إزالة الوهم بأنّ بينهم تدرجا في المقام ثبت لهم جميعا مرّة واحدة ، وقد يعد ذريعة إلى موقف غير مناسب حيال بعض منهم ، أيّا كان.
«ومشكلة أخرى أيضا» ، هي مشكلة معرفة ما إذا كانت «القداسة» يمكن أن
__________________
ـ الحديث أوضح بيانا ، وأقل إلتباسا من سابقه ، في التّعبير عن مناط النّهي عن التّخيير». (المعرب). انظر ، صحيح البخاري : ٢ / ٨٥٠ ح ٢٢٨١ و : ٣ / ١٢٤٥ ح ٣٢١٧ ، الفردوس بمأثور الخطاب : ٥ / ١٩ ح ٧٣١٩ ، مسند أحمد : ٣ / ٣٣ ح ١١٣٠٤ ، المصنّف لابن أبي شيبة : ٦ / ٣٣٢ ح ٣١٨٣٧ ، صحيح ابن حبّان : ١٦ / ٣٠١ ح ٧٣١١ ، تفسير القرطبي : ٧ / ٢٧٩ ، عون المعبود : ١٢ / ٢٧٧.
(١) البقرة : ٢٨٥.
(٢) النّساء : ١٤٩ ـ ١٥١.