توجد مع «المعصية»؟ .. عن هذا السّؤال يمكن أن نجيب بنعم ، وبلا ، تبعا للتعريفات الّتي تعطى للكلمات.
فإذا كان المقصود بكلمة (معصية) معناها العادي ، الّذي يتمثل في عصيان متعمّد ، فلا مرية في أنّه لا يمكن أن تكون موضوع حديث بالنسبة إلى من كلفتهم السّماء بهدايتنا ، إنّ عصمة هؤلاء الرّجال ، في الواقع ، وفي الشّرع ، يجب ألا تكون موضع شك ، لسبب جدّ بسيط ، هو أننا على سبيل الإفتراض يجب أن نقتدي بهم ، والمعصية الّتي قد يقعون فيها ربما يقر في أذهاننا حينئذ أنّها صارت «واجبا» ، ولم تعد من قبيل «المحرم».
أمّا الأصفياء الّذين لم يكلفوا برسالة إلى النّاس ، فعلى الرّغم من أنّ عصمتهم ليست ثابتة «شرعا» ، فإنّها توجد في «الواقع» بصفة عامة. وإذا كان يحدث لهم أن يذنبوا ، فما ذلك إلّا على سبيل النّدرة ، والشّذوذ ، الّذي يحدث نتيجة نسيان ، أو غفلة ، بحيث منع ذلك مؤقتا ضميرهم من أن يمارس وظيفته العادية ، ولكنهم سرعان ما يرجعون إلى صوابهم ، وفي ذلك يقول الله سبحانه : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) (١) (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) (٢).
فأمّا إذا أخذنا كلمة (المعصية) بطريقة أخرى ، وحملناها على معنى لطيف ، لا يعني سوى تأخير قليل ، وتوقف مؤقت طارىء في استيعاب القيم ، فإنّ المعصية
__________________
(١) آل عمران : ١٣٥.
(٢) النّساء : ١٧.