ظاهرة نفسية ، وإلا لكان عدم حصول الجزم تفكيكا بين المعلول والعلة ، وهو محال.
هكذا نعرف انه بعد هذا التشقيق والتعريف لا يبقى محصل لكلام الاخباري ، إلا دعوى دخالة عدم الالتفات الى كثرة الخطأ في علة الجزم تكويناً ، وهذه الدخالة لا يمكن للاخباري ان يتبناها ويدعيها ؛ لأن ذلك يحتوي على تناقض ، لأنه إن قطع بهذه الدخالة التي هي حكم عقلي نظري ، فقد ناقض الدخالة نفسها وقد كذبها بحصول القطع له بقضية عقلية مع التفاته الى كثرة الخطأ ، فنفس دعوى الاخباري لهذه القضية يبرهن على كذبها ، فلا بد للاخباري اذاً ان يشك حتى في صدق هذه القضية ، قضية الدخالة ، بنحو الموجبة الكلية ، ومع الشك لا يجوز له دعوى ذلك.
وأما حين ندس هذه القضية قضية الدخالة لا بصورة الجدل مع الأخباري ، بل بصورة موضوعية مستقلة ، فان موقفنا منها يكون كموقفنا من دعوى دخالة وجود النار تحت السقف في احتراق الورقة بها مثلا ، فلو ادعى شخص ان كون النار تحت السقف دخيل في احتراق الورقة بها كان الجواب هو تجربة القاء الورقة في نار لا يظلها سقف ، فان هذه العلمية تكون حلا ونقضاً في وقت واحد ، وهكذا في المقام يكون الجواب على دعوى الدخالة هو الوجدان القاضي بحصول الجزم مع الالتفات الى كثرة الخطأ في العقل النظري.
ولكن هناك فرقا بين المثالين ، ففي مثال الاحتراق والنار لا يحتمل دخل تظليل السقف في نار دون نار ، وبالنسبة الى ورقة دون ورقة ، ولهذا فنحن حين تجري تجربة احراق الورقة بالنار تحت السقف نستنتج من ذلك نفي الدخالة بقول مطلق ، واما في المقام فان الجزم تختلف نوعية علته باختلاف افراد الانسان ، ويكون في كل انسان لخواصه الروحية ، والفكرية ، واستعداداته المختلفة ، ومرانته ، وممارسته للعمل العقلي تأثير في حصول الجزم لديه ، فملكة النظر وإن كانت مشتركة بين الافراد ولكن طريقة استعمالها والاستفادة منها واعمالها في تحصيل الجزم كل ذلك يختلف باختلاف تلك الشروط والمؤثرات ، فمن اجل هذا كان من المحتمل ان يكون الشيء الواحد مانعا عن حصول الجزم عند شخص ولا يكون