وتوضيح الحال بغية الجواب على هذا السؤال يكون بتحقيق امرين : احدهما في تحقيق العقل الأولي ومداه ، والآخر : في تحقيق عملية الاكتساب البرهاني التي يقوم على اساسها العقل النظري الاكتسابي.
أما الامر الأول فالمعروف عادة ، كما اشرنا سابقاً ، أن المبادئ الأولى في القضايا العقلية هي القضايا الست ، لانها قضايا غير مكتسبة بالبرهان السابق ، ولهذا استحقت صفة الالية ، بل هي إما قضايا يحكم العقل بها بمجرد تصور اطرافها ، كما هو الحال في الأوليات والقضايا التي قياساتها معها ، وأما قضايا يحكم العقل بها بعد الاستعانة بشيء ، كالحس في المحسوسات ، والتجربة في التجريبيات مثلا ، ولكن هذا الشيء الذي لا يحكم العقل بدونه ليس برهانا واستنتاجا نظريا لتكون القضية مكتسبة وثانوية وتدخل في العقل النظري المكتسب ، بل هي أمور من قبل الحس والتجربة ، وهذه القضايا تختلف في رأيهم بطبيعتها عن القضايا المكتسبة ، وتتقدم عليها رتبة.
ولكن التحقيق اننا اذا استثنينا الأوليات والقضايا التي قياساتها معها لم نجد في الباقي ما يكون مضمون الحقانية ويقينا بحسب اصطلاح كتاب البرهان ، بل انها ترجع في الغالب الى قضايا مكتسبة ، أو قضايا من نوع ثالث سوف نشير اليه فيما بعد ، وعلى أي من التقديرين لا يمكن اعتبارها مضمونة الحقانية على اساس البداهة على حد ضمان الأوليات والقضايا التي قياساتها معها.
وتفصيل ذلك : اما في المحسوسات فالقضية العقلية القائمة على اساس الحس التي يراد اعتبارها من اليقينيات الاولية ان اريد بها القضية التي يحكم العقل بها بلحاظ افق الحس نفسه فهي قضية يقينية بلا شك ، لأن الموجود في هذا الأفق وجداني للنفس ، ولكن ذلك خارج عن غرض المنطقي من كتاب البرهان ، لأن المقصود منطقياً ضمان الحقانية بلحاظ المطابقة للواقع الخارجي ، نعم قد يقع الموجود في أفق الحس صغرى لكبرى بديهية بحيث ينتج بشكل بديهي ثبوت شيء وراءه ، كما يدعى من تطبيق مبدأ العلية عليه لاستكشاف علة مثيرة للادراكات