ومما ذكرنا يظهر حال المتواترات التي قالوا فيها انها القضية التي يتوفر الاخبار عنها ويتعدد حتى يوجب اليقين ، ولك ان تقول : أي يقين هذا؟ فان كان هو الجزم بالمعنى الأصولي فوجوده مسلم في كثير من الأحايين ، ولكنه غير مضمون الحقانية ؛ اذ هو ليس بديهياً لوقوع التخلف فيه ، ولا مكتسباً من المبادئ البديهية صرفاً.
وإن اريد بهذا الجزم اليقين بالمعنى المنطقي المحتوي على ضمان الحقانية كان مرجع كلامهم الى ان القضية المضمونة الحقانية حقانية ، وكان لغواً من الكلام لانه من القضية الضرورية بشرط المحمول.
والحاصل ان حكم العقل بالملازمة بين اخبار جماعة وبين وقوع الحادثة ليس بطبيعته مضمون الحقانية ما دام ليس بديهياً ولا مكتسباً منطقياً ، وهكذا نعرف ان العقل الأولي أي العقل المضمون الحقانية بنفسه وبالبداهة وبلا حاجة الى مراعاة قانون المنطق انما هو خصوص البديهيات والقضايا التي قياساتها معها. والقدر الذي يستنتج من هذه البديهيات بطريقة بديهية الانتاج. هذا تمام الكلام في الأمر الاول.
وأما الأمر الثاني وهو في تحقيق عملية اكتساب العقل الثاني من العقل الأول لأجل أن نعرف مدى صحة الضمانات التي ادعاها الفلاسفة اليقينيون ، فقد عرفنا من دعواهم انهم يقولون في مقام ضمان حقانية العقل ان العقل عقلان ، فالعقل الأول الغير المكتسب الذي منه تبدأ سلسلة التفكير منعاً للدور والتسلسل ، ان هذا العقل مضمون الصحة ضماناً ذاتياً لبداهته ، وما سوى هذا العقل قضايا تنتسب الي العقل الثاني المكتسب ، فهي اذاً قضايا عقلية مكتسبة من العقل الأول ، فتكون مضمونة الصحة لا ضماناً ذاتياً ، بل باعتبار مراعاة قواعد المنطق في اكتسابها من المبادئ الأولى ، وهكذا انتهوا من ذلك الى ان الضمان الذاتي والضمان بالمنطق هما ضمانة العقل البشري من الخطأ.
ويترتب على ذلك ان وقوع العقل في الخطأ انما ينتج حتماً في العقل الثاني لا في العقل الأول ، وانما ينتج في الثاني اذا لم يراعى المنطق الضامن لصحة العقل