الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسّنّة ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة والآخر مخالفا لهم بأيّ الخبرين يؤخذ؟ فقال عليهالسلام : ما خالف العامّة ففيه الرشاد. فقلت : جعلت فداك فإن وافقهما الخبران جميعا؟ فقال عليهالسلام : ينظر إلى ما هم إليه أميل حكّامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر. قلت : فإن وافق حكّامهم الخبران جميعا؟ قال عليهالسلام : إذا كان ذلك فأرجئه حتّى تلقى إمامك ، فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات».
والظاهر أنه لا إشكال في هذه المقبولة من حيث السند ، فإنه قد يحصل الوثوق بصدورها من قرائن ، كوقوع صفوان بن يحيى في الطريق ، واعتناء المشايخ الأجلاء ـ من المحدثين والفقهاء في كل طبقة ـ بها ضبطا وعملا وبحثا ، وقول الصادق عليهالسلام في ما ورد في الأوقات عن عمر بن حنظلة : «إنّه لا يكذب علينا» إلى غير ذلك مما يمكن استفادة توثيقه ، كما لا يخفى على من راجع كتب الرجال ، فلا إشكال فيها من هذه الجهة.
نعم ، قد أشكل عليها بوجوه :
منها : أنها في مورد الحكومة فلا تشمل غيرها.
وفيه : أنها ظاهرة ؛ بل ناصّة في أن المدار على منشأ الحكم ودليله ، لا أن يكون لنفس الحكم من حيث هو موضوعية خاصة ، ولا فرق حينئذ بين كون الدليل دليلا للحكم أو للفتوى ، فتشمل جميع الأحاديث المتعارضة الصالحة للدليلية مطلقا.
ومنها : معارضتها بمرفوعة زرارة قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام فقلت له : جعلت فداك ، يأتي عنكم الخبران والحديثان المتعارضان ، فبأيهما آخذ؟ فقال عليهالسلام : يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر. فقلت : يا سيدي إنهما معا مشهوران مأثوران عنكم؟ فقال عليهالسلام : خذ بما يقول أعدلهما