بصدورها من الشارع ، فهي من هذه الجهة كالحجية ، حيث أن مجرد الشك فيها يكفي في عدم الحجية ، فلا يبقى موضوع حينئذ للتمسك بالإطلاقات والعمومات.
قلت : لا أصل لهذا الأصل من عقل أو نقل ، وكون العبادات توقيفية مسلّم في الجملة ، بمعنى أنها منوطة بجعل الشارع ، ولكن بعد الجعل لا بد وأن يعمل فيما يشك في اعتباره فيها بالرجوع الى القواعد المعتبرة والاصول المقررة ، كما هي السيرة المعروفة عند الفقهاء.
إن قلت : إن مورد النهي في العبادة إما أن يكون نفس العمل من حيث هو ، أو العمل مع قصد القربة. والأول خارج عن مورد البحث ، إذ لا عبادية ذاتية في غالب العبادات وإنما تكون عباديتها لأجل قصد القربة. والثاني باطل من حيث التشريع ، فلا يبقى موضوع لبحث أن النهي في العبادة هل يوجب الفساد أو لا؟
قلت أولا : أن هذه المغالطة لا تجري في ما إذا كانت عبادية العبادية ذاتية ، كالسجدة ، وقراءة القرآن ، والذكر والدعاء ونحوها.
وثانيا : أن متعلّق النهي إنما هو العمل مع قصد القربة ، والفساد ينتهي لا محالة إلى النهي وهو العلة الأولية الذاتية للفساد ، ومع وجود العلة الذاتية لا وجه لاستناد الفساد إلى العلة العرضية وهو التشريع ، لأن ما بالذات أولى بأن يعلل به ، بل هو المتعين ، لانتهاء العلة العرضية بالآخرة إلى الذاتية.
والحاصل : أنه ليس في البين أصل عملي في المسألة الفرعية ـ عند الشك في أن النهي عن العبادة يدل على الفساد ـ أو لا يستفاد منه بطلان العمل وفساده ، لكن مع تعلّق النهي بحجة معتبرة لا وجه للشك ، لما ذكرناه من الارتكاز العرفي والملازمة بين النهي عن العبادة وفسادها عند العقلاء ، فيكون الشك في الفساد بعد تعلّق النهي من مجرد الفرض فقط.