وهذه كلها تارة التفاتية تفصيلية ، واخرى على نحو الإجمال والارتكاز وهو الغالب.
الرابع من المذاهب في أفعال العباد : التفويض ، ونسب إلى المعتزلة ، فقالوا : إن الأفعال منسوبة إلى العباد بالحقيقة وإلى الله تعالى بالمجاز ، وأنه لا تكون أفعال العباد مورد إرادة الله تعالى أصلا ، وإنما هي مختارة باختيارهم فقط ، ولا دخل لاختياره تعالى فيها ، لأنه لو كانت أفعال العباد موردا لإرادته تعالى لزم الجبر ، مع أنه لا يصح أن تكون السيئات والأفعال القبيحة موردا لإرادته تعالى.
وفيه : انه مردود عقلا ونقلا ، أما الأول فلما يأتي من بيان الأمر بين الأمرين. وأما الثاني فلقوله تعالى : إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ، وقوله تعالى : قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ .
ولما ورد من المعصومين من قول : «لا حول ولا قوّة إلّا بالله» ، ولما ورد في الدعوات الكثيرة من الاستعانة به تعالى في جميع الامور.
والجميع ظاهر ظهورا عرفيا في صحة إضافة أعمال العباد إلى الله تعالى ، إما بنحو القضاء والرضا معا ، كما في الحسنات ، أو على نحو القضاء فقط ، كما في السيئات. وقضاؤه تعالى ليس من العلة التامة المنحصرة في شيء أبدا ، وإلّا فهو جبر باطل.
ويمكن حمل كلامهم على التفويض الاقتضائي ، بأن يقال إن نهاية استغنائه تعالى عن خلقه تقتضي إيكال الإرادة إلى العباد بعد بيان طريق الحق والباطل وإتمام الحجة عليهم ، ولكنه تعالى لم يفعل ذلك لمصالح كثيرة ، بل جعل إرادته عزوجل مسيطرة على إرادة عباده على نحو لا يلزم منه الجبر ، وهذا هو عين الأمر بين الأمرين الذي يأتي بيانه ، وعلى هذا فلا نزاع في حاق الواقع بين المسلمين.
وأما الأمر بين الأمرين ، فهو ما ورد عن أئمة الدين أنه : «لا جبر ولا