تفويض بل أمر بين الأمرين» ، وهو الحق المطابق للوجدان والبرهان ، وقد ذكروا في بيانه وجوها :
أولها : أن أفعال العباد إما من الحسنات ، أو من المباحات ، أو من السيئات ولا رابع في البين.
ولا ريب في أن الأمر بين الأمرين متقوّم بالانتساب إليه تعالى وإلى العباد انتسابا يحكم بصحته العقلاء ، ومن رضائه تعالى بالحسنات وترغيبه إليها ، والتأكيد في إتيانها والثواب عليه والعقاب على الترك في بعضها ، يصح الانتساب إليه تعالى ـ وأي انتساب أقوى وأحسن من ذلك ـ ويسمى بالانتساب الاقتضائي ، لا يبلغ حدّ الإلجاء والاضطرار.
ومن إذنه تعالى في المباحات وترخيصه لها ، صح انتسابها إليه تعالى اقتضاء أيضا ، كما تقدم في الحسنات. فتحقق بالنسبة إلى الحسنات والمباحات رضاؤه تعالى بها وقضاؤه لها.
ومن خلقه تعالى للنفس الأمّارة والشيطان ، صح نسبة السيئات إليه تعالى ، لكونه خالقا لمنشئها ، وهذا الوجه يجري في الأولين أيضا ، لأن خلق ذواتنا خلق لأفعالنا بالعرض.
وبالجملة يصح نسبة الخلق التسبيبي إليه تعالى في الجميع ، من الحسنات والمباحات والسيئات.
إن قيل : إنه تعالى منزّه عن انتساب السيئة إليه مطلقا.
قلت : لا وجه للانتساب إليه تعالى بمعنى رضائه بها وترغيبه إليها بلا إشكال فيه من أحد ، بل هو لغو. نعم ، هو تعالى خلق الذات المختارة القادرة على السيئة مع نهيه عنها ، وإظهار سخطه وتوعيده عليها ، وقد فعلها العبد بسوء اختياره ، فمنشأ النسبة إليه تعالى من جهة أنه خلق الذات القادرة المختارة مع ابلاغ النهي والتوعيد ، وقد علم بها وقضاها على نحو الاقتضاء لا القضاء الحتم ،