٦ ـ (إِلَى الْمَرافِقِ) : قيل : إلى بمعنى مع ؛ كقوله : (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ) ؛ وليس هذا بالمختار.
والصحيح أنها على بابها ، وأنها لانتهاء الغاية ؛ وإنما وجب غسل المرافق بالسنّة وليس بينهما تناقض ؛ لأنّ «إلى» تدل على انتهاء الفعل ، ولا يتعرض بنفي المحدود إليه ولا بإثباته ؛ ألا ترى أنك إذا قلت : سرت إلى الكوفة ، فغير ممتنع أن تكون بلغت أول حدودها ولم تدخلها ، وأن تكون دخلتها ؛ فلو قام الدليل على أنك دخلتها لم يكن مناقضا لقولك : سرت إلى الكوفة ؛ فعلى هذا تكون «إلى» متعلقة باغسلوا.
ويجوز أن تكون في موضع الحال ، وتتعلّق بمحذوف ؛ والتقدير : وأيديكم مضافة إلى المرافق.
(بِرُؤُسِكُمْ) : الباء زائدة. وقال من لا خبرة له بالعربية : الباء في مثل هذا للتبعيض ؛ وليس بشيء يعرفه أهل النحو.
ووجه دخولها أنّها تدلّ على إلصاق المسح بالرأس.
(وَأَرْجُلَكُمْ) : يقرأ بالنصب ، وفيه وجهان :
أحدهما ـ هو معطوف على الوجوه والأيدي ؛ أي فاغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم ؛ وذلك جائز في العربية بلا خلاف ؛ والسنّة الدّالة على وجوب غسل الرّجلين تقوّي ذلك.
والثاني ـ أنه معطوف على موضع برؤوسكم ؛ والأوّل أقوى ، لأنّ العطف على اللفظ أقوى من العطف على الموضع.
ويقرأ في الشذوذ بالرفع على الابتداء ؛ أي وأرجلكم مغسولة كذلك.
ويقرأ بالجر ، وهو مشهور أيضا كشهرة النّصب. وفيها وجهان :
أحدهما ـ أنها معطوفة على الرؤوس في الإعراب ، والحكم مختلف ؛ فالرؤوس ممسوحة والأرجل مغسولة ؛ وهو الإعراب الذي يقال هو على الجوار ؛ وليس بممتنع أن يقع في القرآن لكثرته ، فقد جاء في القرآن والشّعر ؛ فمن القرآن قوله تعالى : (وَحُورٌ عِينٌ) على قراءة من جرّ ، وهو معطوف على قوله : (بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ) ، والمعنى مختلف ؛ إذ ليس المعنى : يطوف عليهم ولدان مخلّدون بحور عين ؛ وقال الشاعر ـ وهو النابغة :
لم يبق إلّا أسير غير منفلت |
|
أو موثق في حبال القدّ مجنوب |
والقوافي مجرورة ، والجوار مشهور عندهم في الإعراب ، وقلب الحروف بعضها إلى بعض ، والتأنيث وغير ذلك ، فمن الإعراب ما ذكرنا في العطف ، ومن الصفات قوله : (عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ) ، واليوم ليس بمحيط ، وإنما المحيط العذاب.
وكذلك قوله : (فِي يَوْمٍ عاصِفٍ) ، واليوم ليس بعاصف ، وإنما العاصف الريح.
ومن قلب الحروف قوله عليه الصلاة والسلام :
«ارجعن مأزورات غير مأجورات» ؛ والأصل موزورات ؛ ولكن أريد التآخي.
وكذلك قولهم : إنه لا يأتينا بالغدايا والعشايا.
ومن التأنيث قوله : (فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) ، فحذفت التاء من عشر ، وهي مضافة إلى الأمثال ، وهي مذكّرة ، ولكن لما جاورت الأمثال الضمير المؤنّث أجرى عليها حكمة ، وكذلك قول الشاعر :
لما أتى خبر الزّبير تضعضعت |
|
سور المدينة والجبال الخشع |
وقولهم : ذهبت بعض أصابعه.
ومما راعت العرب فيه الجوار قولهم : قامت هند ، فلم يجيزوا حذف التاء إذا لم يفصل بينهما ؛ فإن فصلوا بينهما أجازوا حذفها ، ولا فرق بينهما إلا المجاورة وعدم المجاورة.
ومن ذلك قولهم : قام زيد وعمرا كلمته ـ استحسنوا النّصب بفعل محذوف لمجاورة الجملة اسما قد عمل فيه الفعل.
ومن ذلك قلبهم الواو المجاورة للطرف همزة في قولهم : أوائل ؛ كما لو وقعت طرفا ؛ وكذلك إذا بعدت عن الطرف لا تقلب نحو طواويس ، وهذا موضع يحتمل أن يكتب فيه أوراق من الشواهد ، وقد جعل النحويون له بابا ورتّبوا عليه مسائل ، ثم أصّلوه بقولهم : جحر ضبّ خرب ، حتى اختلفوا في جواز جرّ التثنية والجمع ؛ فأجاز الإتباع فيهما جماعة من حذّاقهم قياسا على المفرد المسموع ، ولو كان لا وجه له في القياس بحال لاقتصروا فيه على المسموع فقط.
ويؤيّد ما ذكرناه أن الجرّ في الآية قد أجيز غيره ، وهو النصب والرفع. والرفع والنصب غير قاطعين ولا ظاهرين على أنّ حكم الرّجلين المسح وكذلك الجرّ يجب أن يكون كالنصب والرفع في الحكم دون الإعراب.
والوجه الثاني : أن يكون جرّ الأرجل بجارّ محذوف ، تقديره : وافعلوا بأرجلكم غسلا ، وحذف الجار وإبقاء الجر جائز ، قال الشاعر :
مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة |
|
ولا ناعب إلّا ببين غرابها |
وقال زهير :
بدا لي أني لست مدرك ما مضى |
|
ولا سابق شيئا إذا كان جائيا |
فجرّ بتقدير الباء ، وليس بموضع ضرورة.
وقد أفردت لهذه المسألة كتابا.
(إِلَى الْكَعْبَيْنِ) : مثل (إِلَى الْمَرافِقِ). وفيه دليل على وجوب غسل الرجلين ؛ لأنّ المسموح ليس بمحدود ، والتحديد في المغسول الذي أريد بعضه ، وهو قوله : (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) ، ولم يحدّد الوجه ؛ لأنّ المراد جميعه.