بمخالفته احتمالا بل قطعا ، وليس محذور مناقضته مع المقطوع إجمالا إلا محذور مناقضة الحكم الظاهري مع الواقعي في الشبهة الغير المحصورة ؛ بل الشبهة البدوية ، ضرورة : عدم تفاوت في المناقضة بين التكليف الواقعي والإذن بالاقتحام في مخالفته
______________________________________________________
وأما تقريب التناقض : فلأنه لا يمكن الإذن من الشارع بالمخالفة ؛ وذلك لمنافاة إذن الشارع وترخيصه في ارتكاب أطراف العلم الإجمالي للحكم الواقعي المعلوم إجمالا ، كما إذا علم إجمالا حرمة أحد شيئين ، فإن الإذن في ارتكابهما ينافي الحكم الواقعي المعلوم بالإجمال ؛ لأن المفروض : أن الشارع لم يرفع يده عن الحكم الواقعي المعلوم بالإجمال.
فلو قال : يجب عليك اجتناب الخمر المشتبه بين الإناءين ويجوز لك شرب كليهما كان مناقضا ، وهو محال هذا غاية ما يمكن أن يقال : في تقريب المناقضة.
وأما توضيح الجواب عنها : فلأنه لا مانع من الترخيص والإذن إلا منافاة الحكم الظاهري للواقعي ، وقد تقدم إن هذا التنافي لا يختص بالمقام ؛ بل يعم الشبهة غير المحصورة والشبهة البدوية ؛ إذ الإذن في الارتكاب مناف للحكم الواقعي في جميع هذه الموارد.
وكيف كان ؛ فهذا الجواب يرجع إلى النقض بالترخيص في الشبهات الغير المحصورة والشبهات البدوية.
وحاصله : أن المناقضة هنا بين إذن الشارع في ارتكاب بعض الأطراف ، وبين العلم الإجمالي بالتكليف وجوبا أو حرمة بعينها موجودة بين الحكم الظاهري والواقعي في الشبهات الغير المحصورة والشبهات البدوية ، من غير تفاوت بين المقامين ، فإنه لو كان المشتبه بالشبهة البدوية مخالفا للواقع ـ مثل أن يكون مشكوك الطهارة نجسا ـ كان قاعدة «كل شيء لك نظيف» (١) الشاملة لهذا النجس مستلزما للتناقض ؛ لأن المولى لم يرفع اليد عن نجاسته ؛ لكونه بولا مثلا. ومع ذلك : أجاز في ارتكابه ، وكذا لو اشتبه النجس بين أفراد غير محصورة ، وأجاز المولى ارتكاب بعض الأطراف ، وكان في الواقع هذا الطرف الذي يرتكبه المكلف نجسا ، أو ارتكب جميع الأطراف تدريجا ـ على القول بجوازه ـ فإنه يوجب المناقضة ، فما يدفع به محذورها هناك يدفع به محذورها هنا.
__________________
(١) المستند إلى الرواية الطويلة التي رواها عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) : تهذيب الأحكام ١ : ٢٨٤ / ٨٣٢.