وذلك (١) لا يكاد يجدي ، فإن الحكم الظاهري وإن لم يكن في تمام مراتب الواقعي ؛ إلا إنه يكون في مرتبته أيضا ، وعلى تقدير المنافاة لزم اجتماع المتنافيين في
______________________________________________________
«قدسسره» في أول مبحث البراءة ، وأول مبحث التعادل والترجيح فراجع ؛ كما في «منتهى الدراية ، ج ٤ ، ص ٢٤٤».
وهذا الجمع في قبال الجمعين المزبورين ، وتوضيحه : أن محذور اجتماع المتنافيين مختص بما إذا كانا في رتبة واحدة ، دون ما إذا كانا في رتبتين كما في المقام.
وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : الفرق بين الحكم الواقعي والحكم الظاهري من حيث الموضوع ، وهو أن موضوع الحكم الواقعي هو نفس الشيء بعنوانه الأولي ، مع الغض عن تعلق العلم أو الجهل به ، وموضوع الحكم الظاهري هو الشيء بوصف أنه مشكوك في حكمه الواقعي ، وحينئذ : فالحكم الظاهري متأخر عن الشك في الحكم الواقعي تأخّر الحكم عن الموضوع ، والشك في الحكم الواقعي متأخر أيضا عن نفس الحكم الواقعي تأخّر العارض عن المعروض والوصف عن الموصوف ، فيكون الحكم الظاهري متأخرا عن الحكم الواقعي بمرتبتين : الأولى : تأخره عن موضوع ، والأخرى : تأخر موضوعه ـ وهو الشك ـ عن الحكم الواقعي الذي هو متعلق الشك ، ولا محذور في اجتماع حكمين فعليين مع تعدد رتبتهما.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه يصح التوفيق بين الحكمين الواقعي والظاهري إذا كانا في رتبتين ؛ إذ لا يلزم محذور اجتماع حكمين فعليين مع تعدد رتبتهما.
(١) أي : الجمع المذكور غير صحيح ؛ إذ هو لا يكاد يجدي في رفع المنافاة بين الحكم الواقعي والظاهري ، وذلك لإن الحكم الظاهري وإن كان متأخرا عن الواقعي بمرتبتين ، وليس هو في مرتبته ؛ ولكن الحكم الواقعي موجود محفوظ في مرتبة الحكم الظاهري لوضوح : أنه لا يكاد يضمحل الحكم الواقعي المشترك بين الكل بمجرد الشك فيه وقيام الأمارة أو الأصل على خلافه ، فإذا تحقق الحكم الظاهري بقيام الأمارة أو الأصل على خلاف الحكم الواقعي ، وكان الحكم الواقعي محفوظا في مرتبته ورتبته لزم اجتماع الضدين من إيجاب وتحريم أو ندب وكراهة وهكذا.
وبعبارة واضحة : إن الحكم الظاهري ـ لمكان تأخر موضوعه عن الحكم الواقعي ـ وإن لم يكن مع الواقعي في جميع المراتب ؛ لكن الحكم الواقعي يكون معه في رتبة الشك ؛ إذ المفروض : إطلاق الحكم الواقعي ووجوده في كلتا صورتي العلم والجهل به ، وإلا لزم التصويب لو اختص الحكم الواقعي بالعالم به ، ففي هذه المرتبة يجتمع الحكمان المتنافيان ،