يكون هو الترجي الحقيقي ، كان هو محبوبية التحذر عند الإنذار ، وإذا ثبت محبوبيته ثبت وجوبه شرعا ؛ لعدم الفصل ، وعقلا لوجوبه مع وجود ما يقتضيه عدم حسنه ؛ بل عدم إمكانه بدونه.
ثانيها (١) : أنه لما وجب الإنذار لكونه غاية للنفر الواجب ، كما هو قضية (لو لا) التحضيضية ، وجب التحذر ؛ وإلا لغى وجوبه.
______________________________________________________
«أما شرعا» : فللإجماع المركب ، فإن كل من قال بمحبوبيته قال بوجوبه ؛ لأن الأمة بين من لا يجوّز العمل بخبر الواحد أصلا ، وبين من يجوّزه ويلتزم بوجوبه ، فالقول بجواز العمل به ورجحانه دون وجوبه قول بالفصل وخرق للإجماع المركب.
«وأما عقلا» : فلأنه لا معنى لحسن الحذر ورجحانه ؛ لأنه إما أن يكون هناك مقتض للعقاب أو لا ، فإن كان مقتض للعقاب : وجب الحذر وإلا لم يحسن أصلا ؛ بل لا يمكن الحذر بدون المقتضي أصلا. وهذا التقريب مشترك بين من يذهب إلى أن «لعل» موضوعة للترجي الحقيقي ، كما هو ظاهر المشهور ، وبين من يذهب إلى أنها موضوعة للترجي الإيقاعي الإنشائي ؛ إلا إن الداعي هنا هو مجرد المحبوبية وكيف كان ؛ فالنتيجة هي وجوب الحذر بمعنى العمل بقول المنذر. هذا تمام الكلام في الوجه الأول.
وأما الوجه الثاني : فلأن النفر واجب بمقتضى كلمة «لو لا» التحضيضية ، فإن التحضيض هو الطلب بعث وإزعاج ؛ لأن حروف التحضيض ـ وهي لو لا ، لو ما ، هلّا ـ إذا دخلت على المضارع أفادت طلب الفعل والحث والترغيب عليه ، وإذا دخلت على الماضي ـ كما في الآية ـ أفادت الذم والتوبيخ على تركه ، ومن المعلوم : إنه لا يحسن الذم والتوبيخ على ترك شيء إلا أن يكون واجبا ، فلا بد من أن يكون النفر واجبا لتوجه الذم على تركه ، فإذا وجب النفر وجب الإنذار ؛ لكونه غاية للنفر الواجب.
وإذا وجب الإنذار وجب التحذر والقبول من المنذر ؛ وإلا لغى وجوب الإنذار ، فالحاصل هو : وجوب الحذر.
(١) أي : ثاني تلك الوجوه التي استدل بها على حجية خبر الواحد من الآية الكريمة وقد ذكرنا توضيح ذلك ، فلا حاجة إلى التكرار والإعادة.
وأما الوجه الثالث : فلأن التحذر قد جعل غاية للإنذار في الآية الكريمة وهو واجب ، وغاية الواجب واجبة ، فيكون التحذر واجبا.
«والفرق» بين هذا الوجه وسابقه : أن في الوجه السابق أثبت المستدل وجوب الإنذار لكونه غاية للنفر الواجب ، وأثبت وجوب الحذر للملازمة بين وجوب الإنذار ووجوب