نعم مع ذلك ، ربما يوحى إليه حكم من الأحكام ، تارة بما يكون ظاهرا في الاستمرار والدوام ، مع أنه في الواقع له غاية وأمد يعينها بخطاب آخر ، وأخرى بما يكون ظاهرا في الجد ، مع أنه لا يكون واقعا بجد ، بل لمجرد الابتلاء والاختبار ، كما أنه يؤمر وحيا أو الهاما بالإخبار بوقوع عذاب أو غيره مما لا يقع ، لأجل حكمة في هذا الإخبار أو ذاك الإظهار ، فبدا له تعالى بمعنى أنه يظهر ما أمر نبيه أو وليه بعدم إظهاره أولا ، ويبدي ما خفي ثانيا.
وإنما نسب إليه تعالى البداء ، مع أنه في الحقيقة الإبداء ، لكمال شباهة إبدائه تعالى كذلك بالبداء في غيره ، وفيما ذكرنا كفاية فيما هو المهم في باب النسخ ، ولا داعي بذكر تمام ما ذكروه في ذاك الباب كما لا يخفى على أولي الألباب.
______________________________________________________
وقوعه وأنّه يمحوه الله سبحانه وتعالى أو مع عدم علمهما بالمحو المزبور لأنّ النبي أو الولي لا يحيط بتمام ما جرى في علمه سبحانه وتعالى لأنّ حال الوحي أو الإلهام ترتقي نفسه الزكية وتتصل بلوح المحو والإثبات فيطّلع على وقوع شيء ولا يطلع على كونه معلّقا على أمر غير واقع ، أو على عدم المانع ، قال الله سبحانه وتعالى. (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ)(١) ، وكلّ من إظهاره سبحانه وتعالى ، وقوعه ، والأمر بالإخبار به ، إنّما هو لمصلحة داعية إلى ذلك من ترتّب توبة الناس عليه أو انبعاثهم إلى عمل خير خاص ، أو غير ذلك مما يظهر للعباد بعد ذلك.
ثانيهما : أنّ من شملته العناية الإلهية فاتّصلت نفسه الزكية بعالم اللوح المحفوظ الذي هو من أعظم العوالم الربوبية وهو أمّ الكتاب الذي ينكشف عنده الواقع على ما هو عليه ، كما قد اتّفق ذلك لخاتم الأنبياء صلىاللهعليهوآلهوسلم وبعض الأوصياء عليهمالسلام فيعرف الكائن على ما يكون ، ومع ذلك يؤمر وحيا أو إلهاما ، بوقوع عذاب أو غيره مما لا يقع لحكمة
__________________
(١) سورة الرعد : الآية ٣٩.