الرضا عليهالسلام بمروٍ فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مَقدِمنا فأداروا أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها ، فدخلت على سيّدي عليهالسلام فأعلمتُه خوض الناس فيه ، فتبسّم عليهالسلام .
ثمّ قال : «يا عبدالعزيز ، جهل القوم وخدعوا عن آرائهم ، إنّ اللّه عزوجل لم يقبض نبيّه صلىاللهعليهوآله حتّى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كلّ شيء ، بيّن فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه الناس كملاً ، فقال تعالى : ( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ) (١) .
وأنزل عليه في حجّة الوداع ، وهي آخر عمره صلىاللهعليهوآله : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) (٢) وأمرُ الإمامةِ من تمام الدين .
ولم يمض صلىاللهعليهوآله حتّى بيّن لاُمّته معالم دينهم وأوضح لهم سبيلهم . . . فأقام لهم عليّاً عليهالسلام علماً وإماماً ، وما ترك شيئاً تحتاج إليه الاُمّة إلاّ بيّنه ، فمن زعم أنّ اللّه لم يُكمل دينه فقد ردّ كتاب اللّه (وكان) (٣) كافراً به . . .
إنّ الإمامة أجلّ قدراً ، وأعظم شأناً ، وأعلى مكاناً . . . ، وأبعد غوراً من أن يبلغها الناس بعُقولهم ، أو ينالوها بآرائهم ، أو يقيموا إماماً باختيارهم .
إنّ الإمامة خصّ اللّه عزوجل بها إبراهيم الخليل بعد النُبوّة ، والخلّة مرتبة ثالثة ، وفضيلة شرّفه بها . . . فقال : ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) (٤) ، فقال الخليل سروراً بها : ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) (٥) ؟ قال اللّه عزوجل : ( لَا يَنَالُ
__________________
(١) سورة الأنعام ٦ : ٣٨ .
(٢) سورة المائدة ٥ : ٣ .
(٣) كذا في النسخ وفي المصدر : (ومن رد كتاب اللّه فهو) .
(٤ و ٥) سورة البقرة ٢ : ١٢٤ .