والحميّة وأشباههما من المنافسات ؛ بحيث إنّه وإن جاهد طول عمره في إزالتها لم يتيسّر له الاستخلاص منها بالكلّيّة إلاّ من أخلصه اللّه بالعصمة كالأنبياء والأوصياء ، بل لم يتيسّر التقليل أيضاً بدون عناية اللّه بالتوفيق .
ولا عبرة بما قد يتوهّمه بعض الجهّال ، أو يلقي الشيطان في البال من ظنّ الزوال أو الوصول إلى حدّ الكمال في الإقلال ، فإنّه محض الخيال بسبب عدم التفحّص عمّا هو المكنون في صميم البال ، بل هو من جملة خطوات الشيطان ، ليسلب التوجّه إلى السعي في الإزالة عن الإنسان ، بل في الحقيقة أنّه عين العجب المذموم وتزكية النفس الممنوعة في القرآن ، قال اللّه تعالى : ( فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ ) (١) .
ولهذا ورد في الحديث : «ما تمّ عقل امرئ حتّى يرى الناس كلّهم خيراً منه ، وأنّه شرّهم في نفسه» (٢) .
ألا ترى إلى الشيطان الذي عبد اللّه وجهد في طاعته بحيث فاق بذلك ، وترقّى حتّى أعجب الملائكة ، ثمّ لمّا كان الكبر في صميم قلبه ـ وإن لم نقل : إنّه أشعر به ـ قاس قياساً دعاه إلى مخالفة أمر اللّه جهاراً ؛ بحيث انجرّ إلى حسده لآدم عليهالسلام ، وعداوته له ولبنيه ، حتّى أشعل نار الفتنة ، وانتشر فساده في العالم ، كما أخبر اللّه عنه في كتابه (٣) .
وقد قال عليّ عليهالسلام : «إنّ إبليس لم يزل يعبد اللّه تعالى مع ملائكته حتّى امتحنه بسجود آدم عليهالسلام ، فامتنع من ذلك حسداً وشقاوةً غلبت عليه ،
__________________
(١) سورة النجم ٥٣ : ٣٢ .
(٢) الكافي ١ : ١٤ ـ ١٥ / ١٢ (كتاب العقل والجهل) ضمن الحديث ، بحار الأنوار ١ : ١٤٠ / ٣٠ .
(٣) الآيات كثيرة بهذا المعنى ، انظر : سورة البقرة ٢ : ٢٦٨ ، وسورة المائدة ٥ : ٩١ ، وسورة الأعراف ٧ : ٢٠ .