فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) (١) : أنّ من خالف اللّه في اتّباع الإمام الحقّ الهادي إليه ، وضلّ بذلك عن طريق الجنّة ، فلا مخلص له عن الباطل ، ولم يزل في مخالفة اللّه عزوجل ، فافهم ، حتّى تعلم أنّ مآل تحقيق الحال في معنى الإضلال ، وكذا ما يفيد مفاده إلى منع التوفيق الذي هو الخذلان ؛ إذ كما في الحديث : «لا حول لنا عن معصية اللّه إلاّ بعون اللّه ، ولا قوّة لنا على طاعة اللّه إلاّ بتوفيق اللّه» (٢) ، كما هو معنى الحوقلة .
ولا شكّ أيضاً : أنّ اللّه تعالى رؤوف بعباده ، ويريد لهم الخير ويحثّهم عليه ، حتّى يتوجّهوا إليه ، فيعينهم حينئذٍ لطفاً منه بأنواع أسباب التوفيق ، ليفعلوا ، فعلى هذا إذا لم يتوجّهوا إلى ما يريد ، ولم يعزموا على ما أحبّ ، بل وطّنوا أنفسهم على خلاف ذلك ، وهو لم يرد إجبارهم ، تركهم حينئذٍ وأنفسهم ، وحرمهم عن التوفيق والإعانة .
ومعلوم أنّ النفس أمّارة بالسوء فتوقعهم فيه ، ويستحوذ عليهم حينئذٍ الشيطان ، فهذا هو الضلال ، وكلّما داموا على هذا الحال زاد الضلال (٣) وقسي القلب ، وبعدوا عن شمول التوفيق ، واستحقّوا زيادة الخذلان إلى أن التهوا بالشهوات النفسانيّة ، واندرجوا في مقام الاستدراج والتجاهر بالمعاصي وهلّم جرّاً إلى حدّ عدم المبالاة بمخالفة اللّه بالكلّيّة ، نعوذ باللّه من شرور أنفسنا ، ومن سيّئات أعمالنا .
فتأمّل جدّاً ، حتّى تعرف صريحاً أنّ نسبة الإضلال إليه سبحانه على سبيل التجوّز والاتّساع ، وأنّ هذا هو المراد به وبأمثاله ممّا هو من هذا
__________________
(١) سورة الأعراف ٧ : ١٨٦ .
(٢) التوحيد للصدوق : ٢٤٢ / ٣ .
(٣) في «م» : زاده الضلالة .