هارون ذلك جمع من محفوظاته ومن الفصول التي كانت عند غيره أسفاراً .
فهذه التوراة التي بيد اليهود ذلك المجموع لا كتاب اللّه التامّ ، وعلى هذا اتّفاق اليهود ، كما صرّح به بعضهم ، قال : وفيه التبديل والتغيير ولو من غير تعمّد ، لكن يظهر من الآيات القرآنية أنّ بعض الأحبار ـ وهم علماء اليهود والصلحاء منهم ـ أيضاً غيّروا بعض الأشياء تعمّداً ، حتّى أنّ من جملة ما غيّروا اسم النبيّ صلىاللهعليهوآله ـ فيما مرّ في أوّل الكتاب ـ من عبارة التوراة ؛ حيث ذكرنا أنّ فيها : (بماذٍ ماذ شنيم عار سار سني ايم) فغيّر (ماذ ماذ) الذي هو محمّد صلىاللهعليهوآله بلغتهم (بماذو ماذو) بإضافة الواو ، بمعنى : عظيم عظيم ، وقرأ بعضهم : (مائذ مائذ) بإضافة الهمزة ، بمعنى : جداً جداً ، وهكذا غيره من التحريفات والإسقاط .
قال الشهرستاني (١) : إنّ التوراة بأسرها مشتملة على دلالات وآيات تدلّ على كون شريعة المصطفى حقّاً ، وكون صاحب الشريعة صادقاً ، ولكنّهم حرّفوه وغيّروه وبدّلوه ، إمّا تحريفاً من حيث الكتابة والصورة ، وإمّا تحريفاً من حيث التفسير والتأويل .
__________________
أرض الشام وبيت المقدس ، فقتل كثيراً منهم ، وأجلى اليهود من هناك وسبى ذراريهم ، وكان ذلك قبل الهجرة النبوية الشريفة ١٥٨١ سنة .
انظر : تاريخ الطبري ١ : ٥٣٨ ، مروج الذهب ١ : ٢٤٠ ، ٢٥١ ، الكامل في التاريخ ١ : ٢٦١ ، و١٢ : ٣٥٨.
(١) هو محمّد بن عبدالكريم بن أحمد الشهرستاني الشافعي ، يكنّى أبا الفتح ، المتكلّم على مذهب الأشعري ، له كتب منها : الملل والنحل ، وتلخيص الأقسام لمذاهب الأنام ، والمناهج والبيّنات ، ولد بشهرستان بين نيسابور وخوارزم سنة ٤٧٩ هـ ، ومات فيها سنة ٥٤٨ هـ .
انظر : وفيات الأعيان ٤ : ٢٧٣ / ٦١١ ، العبر ٣ : ٧ ، معجم المؤلّفين ١٠ : ١٨٧ .