والصابئة (١) جماعة قالوا بجواز التعبّد بحدود وأحكام عقلية ، لاسيّما إذا كانت اُصولها وقواعدها أو أشباهها مؤيّد بالوحي (٢) ، حتّى قال بعضهم : إنّ العقل يدلّ على أنّ اللّه تعالى عليم حكيم والحكيم لا يتعبّد الخلق بما يقبح في العقول ، فما دلّ عليه العقل واستحسنه نعتمد عليه ونعمل به وإن لم يرد في الشريعة . . ، وحتّى قال بعضهم : أن لا حاجة إلى الرسول أيضاً الذي هو بشر مثلنا ؛ لأنّه إن كان يأمرنا بما هو مقتضى العقول فقد استغنينا عنه بعقولنا ، وكفانا العقل التام بإدراكه فلا حاجة لنا إليه ، وإن كان يأمرنا بما يخالف ذلك كان قوله دليلاً على كذبه ، ومع هذا قبول ما ليس بمعقول خروج عن الإنسانية ودخول في البهيمية (٣) .
ثمّ ذكر الشهرستاني وغيره : إنّ رسلهم أجابوا هؤلاء : ( إِن نَّحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) (٤) فإذا عرفتم أنّ للعالم صانعاً ، خالقاً ، حكيماً ، فاعترفوا بأنّه آمرٌ ، ناهٍ ، حاكم على خلقه ، وله في جميع ما يأتي ويرد ويعمل ويتفكّر حكم وأمر ، وليس كلّ عقل إنساني
__________________
(١) جماعة يعتبرون أنّ يحيى عليهالسلام نبيّ لهم ، قدسوا الكواكب والنجوم ، وكانوا يقيمون في فلسطين وهاجروا إلى حران واستقرّوا في جنوبي العراق وايران ، ومن كتبهم المقدسة : «الكنزارّبا» أي : الكتاب العظيم و«دراشة اديهيا» أي : تعاليم يحيى وسيرته ، ومن معتقداتهم الإيمان بإله واحد ، خالق الكون لا يدرك بالحواسّ ولهم ثلاث صلوات قبيل الشروق وعند الزوال وقبيل الغروب ، وتسميتهم بالصابئة ؛ لأ نّهم انحرفوا عن دينهم الذي شرع لهم من قِبَل اللّه تعالى .
انظر : الملل والنحل للشهرستاني ٢ : ٥ ـ ٥٧ ، اعتقادات المسلمين والمشركين للرازي : ١٤٣ ، قاموس المذاهب والأديان : ١٣٥ .
(٢) انظر : الملل والنحل للشهرستاني ٢ : ٣ ـ ٤ .
(٣) وهو قول البراهمة ، انظر : الملل والنحل للشهرستاني ٢ : ٢٥١ .
(٤) سورة إبراهيم ١٤ : ١١ .