على استعداد ما يعقل عنه أمره ، ولا كلّ نفس بشرية بمثابة من يعقل عنه حكمه ، بل أوجبت منته ترتيباً في العقول والنفوس ، واقتضت حكمته أن يرفع بعضهم فوق بعض درجات ، (وأن يصطفي منهم رجالاً يعلم بعلمه الكامل قابليتهم أن يطلعهم على حقائق أمره وحكمه ، فيلقي إليهم ويعلّمهم جميع ما هو على وفق إرادته ومقتضى حكمته ومصلحته ؛ ليوصلوا ذلك إلى سائر من ليس كذلك ، فيجمعوهم فيما أراد منهم على كلمة واحدة ، ويكونوا بذلك على يقين من أمرهم وبصيرة في شأنهم) (١) .
أقول : لا يخفى على كلّ ذي مِسْكة خبير بالمذاهب أنّ مآل أقوال أصحاب القياس والرأي والاجتهاد من فِرَق المسلمين وأشباههم ممّن ترك متابعة الأئمّة الصادقين ، وأنكر الأوصياء المنصوبين من قِبَل اللّه ورسوله بالنص والتعيين إلى ما قال اُولئك الذين ذكرنا أخيراً كلامهم في الدين ومناقضتهم المرسلين ، فإنّ هؤلاء الجماعة أيضاً قالوا بكفاية دليل العقل في استنباط أحكام الشرع من غير حاجة إلى إمام منصوب من طرف اللّه ، وجواب الأئمّة لهم أيضاً مثل جواب المرسلين ، كما سيتّضح جميع ذلك في الباب الآتي حقّ الاتّضاح .
حتّى إنّ من شواهد موافقة حال هؤلاء الأئمّة الأوصياء مع الأنبياء فيما ذكروا من الجواب ، وصدق التشابه بينهم من كلّ باب ، أنّ اللّه عزوجل كما بعث بعض المرسلين قبل أوان بلوغه ، بل في بدء حال صبوته كعيسى ابن مريم عليهالسلام جعل تعلّق الإمامة ببعض الأئمّة في هذه الاُمّة في مثل ذلك السن كأبي جعفر الجواد والقائم عليهماالسلام ، بل غيرهما أيضاً ، كما سيأتي .
__________________
(١) الملل والنحل للشهرستاني ٢ : ٢٥٢ ، وما بين القوسين لم يرد فيه .