تارك فيكم الثقلين ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا (١) : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما ؟ ألا هذا عذب فرات فاشربوا ، وهذا ملح اُجاج فاجتنبوا» (٢) .
ثمّ قال عليهالسلام : «إنّ أبغض الخلائق إلى اللّه تعالى رجلان : رجل وكله اللّه إلى نفسه ، فهو جائر عن قصد السبيل مشعوف (٣) بكلام بدعة ، ودعاء ضلالة ، فهو فتنة لمن افتتن به ، ضالّ عن هَدْي (٤) من كان قبله ، مضلّ لِمَن اقتدى به في حياته وبعد وفاته ، حمّال خطايا غيره ، رهن بخطيئته .
ورجل قَمش (٥) جهلاً ، فوضع في جهّال الاُمّة قد سمّاه أشباه الرجال عالماً وليس به ، بكّر فاستكثر من جمع ما قلّ منه خير ممّا كثر ، حتّى إذا ارتوى من آجن ، وأكثر من غير طائل ، جلس بين الناس قاضياً ضامناً لتخليص ما التبس على غيره ، إن خالف من سبقه لم يأمن من نقض حكمه من يأتي بعده ، كفعله بمن كان قبله ، فإن نزلت به إحدى المُبهمات هيّأ لها حشواً رثّاً من رأيه ، ثمّ قطع به ، فهو من لبس الشبهات في مثل نسج العنكبوت لا يدري أصاب أم أخطأ ؟ جاهل خبّاط (٦) جهالات ،
__________________
(١) في «م» زيادة : أبداً .
(٢) الإرشاد ١ : ٢٣٢ ، الاحتجاج ١ : ٦٢٤ / ١٤٤ .
(٣) كذا في النسخ ، وفي نهج البلاغة والاحتجاج : مشغوف . وكلاهما متقارب المعنى . الشعَفُ محرّكة : شدّة الحبّ . انظر : صحاح اللغة ٤ : ١٣٨١ و١٣٨٢ ، مجمع البحرين ٥ : ٧٥ و٧٦ ، لسان العرب ٩ : ١٧٧ و١٧٩ .
(٤) الَهدْيُ : السيرة والهيئة والطريقة .
انظر : النهاية لابن الأثير ٥ : ٢٥٣ .
(٥) القَمش : جمع الشيء من هنا ومن هنا .
انظر : صحاح اللغة ٣ : ١٠١٦ ، ومجمع البحرين ٤ : ١٥١ .
(٦) الخبط : حركة على غير النحو الطبيعي وعلى غير اتّساق .
انظر : النهاية لابن الأثير ٢ : ٨ ، ومجمع البحرين ٤ : ٢٤٤ .