هذا ، مع ما سنذكره في المقالات من الآيات المصرّحة بأنّ اللّه عزوجل هو المعلّم لما لا يعلمون ، وأنّه علّم الكتاب والحكمة ونحو ذلك ، ومن الآيات المشتملة صريحاً على بيان صنوف الأحكام الكثيرة حتّى الجزئيّات الصغيرة ، ومن الآيات المتضمّنة صريحاً بأنّ اللّه عزوجل أكمل الدين وأتمّ النعمة والحجّة (١) ، وأنّه رؤوف بالعباد (٢) ، لم يرض لهم بجهالة (٣) ، ولا البقاء على ضلالة (٤) ، وأنّه لم يفرّط في الكتاب من شيء (٥) ، وأن لا رطب ولا يابس إلاّ فيه (٦) ، وأنّه أحصى كلّ شيء فيه (٧) ، وأنّ فيه تبيان كلّ شيء (٨) ، وأمثالها من الآيات الكثيرة الآتية.
ثمّ إنّ من الواضحات قطعاً : أنّ حكمة اللّه اقتضت وعادته جرت ـ من بدو الزمان إلى هذا الأوان ، ومن زمن آدم إلى عصر الخاتم ـ على عدم مخاطبته ومكالمته بنفسه مع عامّة العباد في هذا العالم ، أي بدون واسطة أصلاً ، عند بيان الأشياء بل مطلقاً ، كما أنّه لم يكتف بتديّنهم بما يدركون بعقولهم أيضاً ، بل مداره على اختياره من خلقه وسائط وسفراء وهداة واُمناء ، من الأنبياء والأوصياء ، والكتب والعلماء ، متمّماً بهم الحُجّة على غيرهم بالمعاجز الباهرة ، والبراهين الوافرة من الفضائل الفاخرة ، والعلوم المتكاثرة ، الذين أفضلهم وأكملهم كان نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوآله الذي أرسله إلى
__________________
(١) سورة المائدة ٥ : ٣ .
(٢) سورة البقرة ٢ : ٢٠٧ .
(٣) سورة الأنعام ٦ : ٣٥ .
(٤) سورة الزمر ٣٩ : ٧ .
(٥) سورة الأنعام ٦ : ٣٨ .
(٦) سورة الأنعام ٦ : ٥٩ .
(٧) سورة يس ٣٦ : ١٢ .
(٨) سورة النحل ١٦ : ٨٩ .