______________________________________________________
وقال الشيخ في التهذيب : إن هذا الخبر ليس بمضاد للأحاديث التي تضمنت مدا من طعام أو إطعام مسكين ، لأن هذا الحكم يختلف بحسب اختلاف أحوال المكلفين ، فمن أطاق إطعام مدين يلزمه ذلك ، ومن لم يطق إلا إطعام مد فعليه ذلك ، ومن لم يقدر على شيء منه فليس عليه شيء حسب ما قدمناه (١). وما ذكره ـ رحمهالله ـ نوع من الجمع ، إلا أن الأول أقرب.
ولم نقف للمفيد وأتباعه على رواية تدل على ما ذكروه من التفصيل ، وقد اعترف بذلك الشيخ في التهذيب ، فقال بعد أن أورد عبارة المفيد : هذا الذي فصّل به بين من يطيق الصيام بمشقة وبين من لم يطقه أصلا لم أجد به حديثا مفصلا ، والأحاديث كلها على أنه متى عجزا كفرا عنه ، والذي حمله على هذا التفصيل هو أنه ذهب إلى أن الكفارة فرع على وجوب الصوم ، ومن ضعف عن الصيام ضعفا لا يقدر عليه جملة فإنه يسقط عنه وجوبه جملة ، لأنه لا يحسن تكليفه بالصيام وحاله هذه ، وقد قال الله تعالى ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها ) (٢).
قال : وهذا ليس بصحيح ، لأن وجوب الكفارة ليس بمبني على وجوب الصوم ، إذ لا يمتنع أن يقول الله تعالى : متى لم تطيقوا الصوم صارت مصلحتكم في الكفارة ، وسقط وجوب الصوم عنكم ، وليس لأحدهما تعلق بالآخر (٣). هذا كلامه رحمهالله وهو جيد ، لكن ما وجه به كلام المفيد لا وجه له ، فإن التكليف بالصيام كما يسقط مع العجز عنه لإناطة التكليف بالوسع ، كذا يسقط مع المشقة الشديدة لأن العسير غير
__________________
(١) التهذيب ٤ : ٢٣٨.
(٢) البقرة : ٢٨٦.
(٣) التهذيب ٤ : ٢٣٧.