الاصول في وضعه على عهد صاحب المعالم أبسط منه في عهد صاحب القوانين ، وفي هذا العهد أبسط منه في عهد الرسائل والكفاية فقد لوحظ أنّ هذا يحقّق التدرّج المطلوب إذا جعل الكتاب الدراسيّ الأوّل نتاج مرحلةٍ قديمةٍ من علم الاصول ، وما يتلوه نتاج مرحلةٍ متأخّرة ، وهكذا.
وهذا الشعور يشتمل على حقيقةٍ وعلى خطأ :
أمّا الحقيقة فهي لزوم التدرّج في الكتب الدراسية من الأبسط إلى الأعمق ، وأمّا الخطأ فهو أنّ هذا التدرّج لا ينبغي أن يكون منتزعاً من تأريخ علم الاصول ومعبّراً عمّا مرّ به هذا العلم نفسه من تدرّجٍ خلال نموِّه ؛ لأنّ هذا يكلِّف الطالب أن يصرف وقتاً كثيراً في مطالب وأفكارٍ لم يعد لها موضع في العلم بحسب وضعه الفعلي. وإنّما الوضع الصحيح في الكتب الدراسية الذي يشتمل على التدرّج المطلوب هو : أن تتّجه هذه الكتب جميعاً على اختلاف مراحلها الدراسية لعرض آخر ما وصل إليه العلم من أفكارٍ وتحقيقاتٍ ومصطلحات ، ولكن بدرجاتٍ من العرض تختلف من ناحية الكمّ أو الكيف ، أو من الناحيتين معاً ، والاختلاف في الكمِّ يعني التفاوت في المقدار المُعطى من الأفكار ، فبدلاً عن استعراض خمسة اعتراضاتٍ على الاستدلال بآية النبأ ـ مثلاً ـ يبدأ في الحلقة الاولى باعتراضٍ أو اعتراضين ، ثمّ يُستعرض عدد أكبر من الاعتراضات في حلقةٍ تالية ، والاختلاف في الكيف يعني التفاوت في درجة عمق ما يطرح من فكرة ، فحينما يراد الحديث عن مسلك جعل الطريقية ـ مثلاً ـ يعرض في حلقةٍ ابتدائية عرضاً ساذجاً بدون تعميق ، ثمّ يعمَّق في حلقةٍ لاحقة ، فيعرض على نحوٍ يميَّز فيه بين التنزيل والاعتبار ، وقد يعرض في حلقةٍ اخرى حينئذٍ على نحو المقارنة بين هذين النحوين في النتائج والآثار.
المبرِّر الثاني : أنّ الكتب الأربعة السالفة الذكر ـ على الرغم من أنّها استعملت ككتبٍ دراسيةٍ منذ أكثر من خمسين عاماً ـ لم تؤلَّف من قبل أصحابها لهذا الهدف ، وإنّما الِّفت لكي تعبّر عن آراء المؤلّف وأفكاره في المسائل الاصولية المختلفة ، وفرق كبير بين كتابٍ يضعه مؤلِّفه لكي يكون كتاباً دراسياً وكتاب يؤلّفه ليعبِّر فيه عن