أقول : ولا يبعد أن يكون نظر ابن عباس إلى كون درء المفاسد أولى من جلب المصالح ، وهي قاعدة مشهورة ومعتمدة ، ولمّا خالفه ابن الزبير فهدمها فقد خرج إلى الطائف ، وهذه الخرجة هي أوّل مرة خرج فيها أيام ابن الزبير ، وكان خروجه باختياره إعظاماً لهدم الكعبة ، بخلاف المرة الثانية فإنّها كانت تحت ضغط ابن الزبير المتعسّف ، فخرج هو ومحمّد بن الحنفية ومن معهما بحماية جند المختار الّذين أرسلهم بقيادة أبي عبد الله الجدلي. ثمّ عاد منها إلى مكة.
كما أنّ المرة الثالثة هي الّتي أخرجه ابن الزبير إخراجاً قبيحاً ـ كما يقول اليعقوبي في تاريخه (١) وهي بعد مقتل المختار فأقام بها حتى مات كما سيأتي الحديث عنها.
وفيما أحسب أنّ ما رواه الشعراني من استنكار تركه مكة وسكناه الطائف ، قد كان في المرة الأولى لما في جوابه ولو كان بضغط ابن الزبير لذكره ، لكنه ذكر في كتابه لواقح الأنوار القدسية : « وقالوا لابن عباس لمّا سكن الطائف لم لا تقيم بمكة؟ فقال : لا أقدر على حفظ خاطري من إرادة ظلمي للناس ، أو ظلمي لنفسي ، فكيف لو وقعت في الفعل؟ فإنّ الله تعالى لم يتوعد أحداً على مجرّد إرادته السوء دون الفعل له إلاّ بمكة » (٢).
أقول : يشير بذلك إلى قوله تعالى : ( وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) (٣) ، وقد روي نحو هذا عن ابن مسعود وابن عمر والضحاك وابن
____________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٣ / ٩.
(٢) لواقح الأنوار القدسية للشعراني / ٥٩ ط الأولى نشر البابي الحلبي سنة ١٣٨٠.
(٣) الحج / ٢٥.