وأنت خبيرٌ بأنّه إنّما يَرِدُ على الأشاعرة (١) وأمثالهم ممَّنْ يقول بزيادة الصفات الذاتيّة على الذات الأحديّة ومغايرتها لها ، دون المذهب الحقّ من عينيّتها لتلك الذات العليّة ، كما هو مذهب الحكماء والمعتزلة والإماميّة (٢) ، بمعنى أنَّه يترتّب على تلك الذات ما يترتَّب على ذات وصفه في سائر المخلوقات.
ألا ترى أنَّ ذواتنا غير كافية في انكشاف الأشياء لنا ، بل مفتقرة إلى تحصيل صفة العلم الذي يقوم بنا ، فيثبت الجهل في مرتبة ذاتنا؟! ولكنّه تعالى لا يحتاج في ذلك الانكشاف إلى صفة تقوم به ، بل الأشياء بأسرها منكشفة إليه وحاضرة لديه بنفس تلك الذات التي هي جميع الكمالات ، « فسبحان مَنْ دلّ على ذاته بذاته وتنزّه عن مجانسة مخلوقاته » (٣).
فذاته تعالى بهذا الاعتبار حقيقة العلم والاقتدار ، لا بمعنى أنَّ هنا ذاتاً وصفة حقيقيّة ، وهما متّحدان كذلك ، كما يتخيّل في بوادي الأنظار ، وربّما جنح إليه بعضُ الأشرار ، فإنَّ فساده ممّا ليس عليه غبار ، بل كالشمس في رابعة النهار : « لشهادة كلِّ صفةٍ بأَنَّها غيرُ الموصوف ، وشهادةِ كلِّ موصوف بأنّه غيرُ الصفة » (٤) كما قاله والد الأئمّة الأطهار.
وبسط الكلام في هذا المقام يفضي إلى الإضجار ، وحينئذ فلا يرد النقض المذكور ؛ لأنّ الحمد على الصفات الذاتية راجعٌ إلى الآثار المترتّبة على الذات على نفس الذات الأحديّة.
فإذا قيل : الحمد لله على علمه وقدرته مثلاً فإنَّما يُراد الثناء على الآثار المترتّبة على الذات والتعلّقات التي هي أُمور نسبيّة إضافيَّة وأحوال اعتباريّة ، ولا ريب أنَّ تلك الأُمور والآثار اختياريّة لتلك الذات العليّة ؛ لكون تلك التعلُّقات حادثة متغيِّرة متغايرة بتغير تلك المتعلِّقات ، فيكون الثناء عليها ثناءً على جميل اختياري إفاضة مالك الخيرات.
__________________
(١) شرح المواقف ٨ : ٤٤ ٤٥.
(٢) شرح المواقف ٨ : ٤٥.
(٣) دعاء الصباح المنسوب لأمير المؤمنين عليهالسلام ، الصحيفة العلوية : ١٧.
(٤) نهج البلاغة : خطبة (١). وفيه : « أنها » بدل « بأنها » و: « أنه » بدل « بأنه ».