محمَّداً صلىاللهعليهوآله عبده ورسوله استخلصه في القدم على سائر الأُمم على علم منه ، انفرد عن التشاكل والتماثل من أبناء الجنس ، وانتجبه آمراً وناهياً عنه ، أقامه في سائر عالمه في الأداء عنه (١) مقامه ؛ إذ كان لا تدركه الأبصار ولا تحويه خواطر الأفكار ، ولا تمثِّله غوامض الظنون والأسرار ، لا إله إلّا هو الملك الجبّار. قرن الاعتراف بنبوّته بالاعتراف بلاهوتيّته واختصّه من تكرمته بما لم يَلحقه أحد من بريّته ، فهو أهل ذلك بخاصّته وخلّته ، إذ لا يختصّ مَنْ يشوبه التغيير ، ولا يلحقه التظنين » (٢) .. إلى آخره.
وهذا من فضائله صلىاللهعليهوآله قليل من كثير ، وهو قطرة من غدير ، كما لا يخفى على المتتبّع الخبير.
ولمّا كان استفاضة القابل من الفاعل متوقّفة على مناسبة بينهما ، فكلَّما كانت المناسبة أتمّ كانت الاستفاضة أتمّ والاستفادة أعمّ ، وكانت النفوس البشرية إنّما تستفيض من بحر الذات الأحديّة لافتقارها في كلّ كلّية وجزئيّة ، وكانت محجوبة بحجب العلائق البدنية ، ومحجوزة بحجز العوائق البشرية ، ومتلوّثة بالكثافات الحيوانيّة. والفاعل عزّ شأنه في غاية التقدّس والتفرّد ، ونهاية التنزّه والتجرّد ، فلا بدّ للمستفيض والمستفيد من ذلك البحر الذي يفيض ولا يغيض من واسطة في البين تجمع بين الجهتين ، فبجهة التجرّد العُليا يستفيض من الحقّ ، وبجهة التعلّق تقبل منه الخلق ، وليس ذلك إلّا أصحاب الوحي ، وأعظمهم وأرفعهم نبيُّنا الكريم الموصوف في الذكر الحكيم بـ ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (٣) ؛ ولهذا قال بحر العلم الدافق ، جعفر بن محمّد الصادق عليهالسلام : « مَنْ كانت له إلى الله حاجة فليبدأ بالصلاة على محمّدٍ وآل محمّدٍ ، ثمّ يسأل حاجته ، ثمّ يختم بالصلاة على محمّد وآل محمّد ، فإنَّ الله عزوجل أكرم من أنْ يقبل
__________________
(١) لم يرد في المصدر : « عنه ».
(٢) مصباح المتهجّد : ٦٩٧ ، البحار ٩٤ : ١١٣ / ٨ ، باختلاف فيهما.
(٣) القلم : ٤.