الطرفين ويدع الوسط ، إذ كانت الصلاة على محمّد وآلهِ لا تحجب عنه » (١). انتهى.
والسّر فيه أنهم صلوات الله عليهم هم القابلون للفيوض الربّانيّة بالذات ، وغيرهم إنّما هو بواسطتهم ، فلو أُفيض كرمه على غيرهم قبلهم لكان مثل أنْ يصنع سلطان عظيم الشأن ضيافةً عاليةً لرجل من سائر نوع الإنسان ، بخلاف ما لو قصد بها أوَّلاً وبالذات أحد المقرّبين الأعيان ، فإنّه لا ينافي ذلك إذنه في الأكل لجميع الرعيّة في جميع البلدان ، وأنّهم عليهمالسلام أيضاً هم المقرّبون عند ذلك السلطان العظيم ، والمقبول شفاعتهم في كلّ دقيق وجسيم ، فلا بدَّ لمَنْ أراد قضاء حاجته ورام إنجاح طلبته من التقرّب إلى مقرِّبي حضرته بأنواع الهدايا التي تليق بخدمته ، وليس ذلك إلّا الصلاة على نبيّنا وذريَّته. فلاحظ المصنّف رحمهالله ذلك كلّه كما لاحظه سائر المصنِّفين بعده وقبله ، حيث يتوسّلون في فواتح تصانيفهم وخواتمها بالصلاة على محمّد أفضل الأنبياء وخاتمها ، وآلِهِ ورثةِ فضائل الأنبياء ومكارمها ، فقال بعد الثناء عليه :
( صلّى الله عليه ) أي : ترحّم عليه ؛ لأنّ الصلاة منه تعالى الرحمة ، كما رواه الصدوق رحمهالله في ( ثواب الأعمال ) عن الكاظم عليهالسلام أنَّه سُئل : ما معنى صلاة الله وصلاة الملائكة وصلاة المؤمنين؟ فقال عليهالسلام : « صلاة الله رحمة من الله ، وصلاة الملائكة تزكية منهم [ له (٢) ] ، وصلاة المؤمنين دعاء منهم له » (٣).
وفي ( معاني الأخبار ) عن أبي حمزة ، قال : سألتُ أبا عبد الله عليهالسلام عن قول الله عزوجل ( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (٤) فقال : « الصلاة من الله رحمة ، ومن الملائكة تزكية ، ومن المؤمنين (٥) دعاء » (٦).
ولا ينافيه عطف الرحمة عليها في قوله تعالى ( أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ) (٧) حيث إنَّه مقتضٍ للمغايرة ؛ لعدم تعيُّن العطف هنا ، بل يجوز أنْ يكون
__________________
(١) الكافي ٢ : ٤٩٤ / ١٦ ، الوسائل ٧ : ٩٥ ، أبواب الدعاء ، ب ٣٦ ، ح ١١.
(٢) من المصدر.
(٣) ثواب الأعمال : ١٨٧ / ١.
(٤) الأحزاب : ٥٦.
(٥) في المصدر : « الناس » بدل « المؤمنين ».
(٦) معاني الأخبار : ٣٦٨.
(٧) البقرة : ١٥٧.