وذلك كلُّه ممّا قامت عليه البراهين العقليَّة ونطقت به الأدلَّة النقليَّة من الآيات القرآنيّة والسنَّة المعصوميّة ، قال الله تعالى ( يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ ) (١). وقال سبحانه ( إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ) (٢). وقال جلّ شأنه ( وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ) (٣) ، حيث فُسِّرت الحكمةُ بالعلم أو ما يرجع إليه. إلى غير ذلك من الآيات.
وروى ثقة الإسلام في ( الكافي ) بسنده إلى عبد الله بن ميمون القدَّاح ، بطريقين معتبرين ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : مَنْ سلك طريقاً يطلبُ فيه علماً سلك اللهُ به طريقاً إلى الجَنَّة ، وإنّ الملائكةَ لتضعُ أجنحَتَها لطالبِ العلمِ رضاً به ، وإنّه يَستغفرُ لطالب العلم مَنْ في السماءِ وَمَنْ في الأرضِ حتَّى الحوتُ في البحر. وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجُوم ليلة البدر ، وإنَّ العُلماءَ ورثةُ الأنبياء ، إنّ الأنبياء لم يورِّثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورَّثوا العلم فَمَنْ أخذ منه أخذ بحظّ وافرٍ » (٤). انتهى.
ومعنى أنَّهم « لم يورّثوا ديناراً ولا دِرْهماً » أنَّهم عليهمالسلام لحقارة الدنيا عندهم وإعراضهم عنها لا يعدُّون حطامها ميراثاً ولا يهتمون به ، أو أنَّهم لم يجعلوا عُمدة ما يحصِّلونه في دنياهم وينتفع الناس به منهم في حياتهم وبعد وفاتهم الدينارَ والدرهمَ.
وحينئذ فلا ينافي أنْ يرثَ وارثهم الجسماني منهم ما يبقى بعدهم من الأموال ، فلا وجه لطعن بعض العُلماء فيه بموافقيّة الحديث المفترع والكذب المخترع على النبيّ صلىاللهعليهوآله من قوله : « نحنُ معاشرَ الأنبياءِ لانورِّث » (٥).
ويحتمل أنْ يقال : إنَّ وارثهم من حيث النبوّة الروحانية المختصّة بهم العلماءُ ؛ لأنَّ المتعلِّم ابنٌ روحاني لمعلِّمه ، ولهذا قيل :
مَنْ عَلَّمَ العِلْمَ كان خيرَ أبٍ |
|
ذاك أبو الروح لا أبو الجسد |
__________________
(١) المجادلة : ١١.
(٢) فاطر : ٢٨.
(٣) المجادلة : ١١.
(٤) الكافي ١ : ٣٤ / ١.
(٥) مسند أحمد ٢ : ٤٦٣ ، وفيه : « معشر » ، البداية والنهاية ٢ : ٢٢.