تعلّق نفس الاتّصاف بالخارج ، وتعلّق السلب بحال من أحوال الاتّصاف ، فلا تناقض. وعلى هذا فتصير ( إلّا ) بمعنى غير ، فاعلاً لـ ( انتفى ).
وأُورد عليه بأنَّ حمل ( إلَّا ) على معنى غير مشروط بتبعيّتها لجمعٍ مُنكَّر غير محصور.
ويمكن الجواب عنه بجواز بناء القائل على عدم الاشتراط ، إذ لم يشترطه إلَّا ابن الحاجب وبعض مَنْ تبعه (١) ، مع أن سيبويه أنكره ومنعه (٢) ، بل نسبه المحقّق الرضي إلى أكثر المتأخّرين (٣) ، وعليه قول الشاعر :
وكلُّ أخ مفارقُهُ أخوهُ |
|
لَعَمْرُ أبيكَ إلّا الفرقَدَان (٤) |
وتنزيله على حذف ( أن ) (٥) يكون في غير محلّه.
وإمَّا لأنّ كلمة ( لا ) تدلّ عليه ، فالخبر محضور بالبال عند سماع كلمة ( لا إله إلّا الله ) ، لكنّه غير معتبر في نظم الكلام وإنْ كان مقدّراً في الإرادة ؛ ولهذا التزم التميميّون والطائيّون حذف خبر ( لا ) هذه ، إمَّا مطلقاً كما نقله ابن مالك عنهم (٦) ، وإمَّا إذا كان خبراً مرفوعاً كما هنا دون الظرف والجار والمجرور كما نقله ابن خروف ، وسيبويه في ظاهر كلامه ، بل نقله أبو حيّان عن الحجازيّين ، وقال : وأكثر ما يحذفه الحجازيون مع ( إلَّا ) ، نحو ( لا إله إلّا الله ) (٧).
ولعلّ ارتكاب هذا أسهل من سائر التكلّفات لاستناده إلى ظاهر اللغات.
وذهب جماعة كالشارح الشهيد رحمهالله (٨) والفاضل الأبهري إلى أنَّ هذه الكلمة
__________________
(١) شرح الرضي على الكافية ٢ : ١٢٥.
(٢) شرح الرضي على الكافية ٢ : ١٢٩ ، همع الهوامع ١ : ٢٢٩.
(٣) شرح الرضي على الكافية ٢ : ١٢٩.
(٤) نسب لعمرو بن معديكرب ، كتاب سيبويه ١ : ٤٣٥ ، ولسان العرب ١ : ١٧٥ إلّا.
(٥) أي إلا أن يكون الفرقدان ، وهو قول الكسائي. انظر شرح الرضي على الكافية ٢ : ١٣٠.
(٦) عنه في شرح ابن عقيل ٢ : ٢٥.
(٧) شرح الرضي على الكافية ١ : ٢٩٢ ، قاله الرضي ولم ينسبه لأبي حيّان.
(٨) الروضة البهية ١ : ١٧ ـ ١٨.