لاختلاف ذلك باختلاف الموارد والأحوال والأسباب ، فتأمّل ، والله العالم بالصواب.
وثالثاً بقيام القرائن الكثيرة على إرادة خلاف ظاهره ؛ لحكاية بعض محقّقي الأصحاب كالشهيد (١) ، وغيره تصريحه بالاستحباب ، وغلبة تعبير القدماء بالألفاظ الباقية على معانيها اللغويّة ، كما هو كذلك في لسان الأئمّة الأطياب ، ولذا عبّر الصدوق قدسسره في ( العلل ) عن استحباب قضاء النافلة بالوجوب ، حيث قال : ( باب العلّة التي [ من أجلها لا (٢) ] يجب قضاء النوافل على من تركها بمرض ) ، ثم أورد خبر محمّد بن مسلم عن الباقر عليهالسلام ، وفيه : « .. إنّها ليست بفريضة ، إنْ قضاها فهو خير له ، وإنْ لم يفعل فلا شيء عليه » ، وخبر إسماعيل بن جابر ، عن الصادق عليهالسلام ، وفيه « .. ليس عليك قضاء ، إنّ المريض ليس كالصحيح » (٣).
والتقريب فيه ظاهر ، حيث عبَّر عن استحباب قضاء النوافل بوجوب قضائها ، كما وجدناه في نسخ ( العلل ) ، حتّى إنّ بعض المحشّين عليه فسّر مراده قدسسره من الوجوب بالاستحباب المؤكّد ، فيصير قرينةً على إرادته هنا من الوجوب ، ولبعد جهل الصدوق قدسسره بما علم من عدم إجماع الإماميّة على الإيجاب.
اللهم إلّا أنْ يقال : إنّ غاية المعلوم من مذهبهم كون الجهر من شعارهم فقط ، أمّا الندب فلا.
ويرد عليه : النقض بعدم معلوميّة الإيجاب ، فترجيحه على الاستحباب الظاهر الراجح خلاف الصواب. وحينئذٍ فلا مناص عن حمله على الوجوب بالمعنى اللغوي الأوّلى ، دون المعنى الشرعي الثانوي ، في مقابلة مَنْ ينفيه من أهل المذهب الغوي ، أو على تأكّد الاستحباب ؛ لغلبة التعبير عنه بالوجوب في لسان قدماء الأصحاب ، أو على الوجوب التخييري ؛ للزوم القراءة لأحد الوصفين ، واجتماع الاستحباب الخصوصي مع الوجوب التخييري ، فيؤوّل كلامه حينئذٍ إلى كون
__________________
(١) الذكرى : ١٩١.
(٢) من المصدر.
(٣) علل الشرائع ٢ : ٦٠ / ١ ، ٢.