السداد وشرب بكأس الرشاد أنّ ما نسجتْه يدُ فهمه الوقّاد وفكره النقّاد لا يشفي علّة عليل ، ولا يبُلُّ غُلّة صادٍ ، بل هو كنسيج العنكبوت ، ( وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ ) (١).
أمّا قوله : ( لأنّ الأخيرتين لا تتعيّن فيهما القراءة وإنّما الإنسان مخيّر بين التسبيح والقراءة ).
ففيه : أنَّ التعيين والتخيير لا مدخل لهما في الجهر والإخفات حتى يستلزم التعيينُ الجهرَ ، والتخييرُ الإخفاتَ ، وأيّ ملازمة بينهما لزوماً بيّناً أو غيره ، فإنّ التكليف فِعْلُه تعالى ، وأفعاله تعالى معلّلة بالأغراض والمصالح كما هو مذهب العدليّة (٢) ، وتلك المصلحة ؛ إمّا جليّة أو خفيّة ، فعلى الأوّل يلزم معلوميّتها لكلّ عاقل ولا اختصاص لها بأحد دون آخر. وعلى الثاني يلزم خفاؤها كذلك ، إذ الجلاء والخفاء حقيقتان متضادّتان ، لا يجتمعان ولا يرتفعان.
وحينئذٍ ، فالمصلحة المقتضية للفرق بين مواضع التعيين والتخيير ؛ إمّا جليّة أو خفيّة ، إذ لا واسطة لما عرفت ، فعلى الأوّل يلزم ما لا يجوز اعتقاده من خطأ علماء الإماميّة غير ابن إدريس ، بل فسقهم حيث علموا العلّة المقتضية للفرق المذكور ولم يعملوا بمقتضاها ، وإنْ كانت خفيّة فلا سبيل لابن إدريس عليها دون غيره من الإماميّة ، لكنّا نقول : إنّ العلّة المقتضية للجهر شاملة للموضعين ؛ لأنّها ؛ إمّا إقامة الشعار ، أو اقتضاء الدليل. فإنْ قيل بالأوّل ، قلنا : إنّ إقامة الشعار كما اقتضت الجهر في الأُوليين اقتضته في الأخيرتين ، فما الداعي لحصره في الأُوليين مع عمومه لما عداهما.
فإنْ قيل : إنّ الداعي للحصر هو أنّ المطلوب عدم خلوّ الصلاة من الجهر ، وهو يتحقّق بالجهر في الأُوليين ، فليخصّ بهما لموضع اليقين.
قلنا : إذا كان المطلوب هو عدم خلوّ الصلاة من الجهر ، فهو يتحقّق بالجهر ببسملة
__________________
(١) العنكبوت : ٤١.
(٢) كشف المراد ( العلّامة ) : ٣٠٦.