ذلك ولا تحصل المنافاة في ما هنالك ؛ لعدم التنافي بين الاستحباب العيني الخصوصي والوجوب التخييري ؛ لاختلاف الحكمين باختلاف الاعتبارين ، مع أنّ فعله لو كان واجباً لم يجز تركه ، وإلّا لخرج الواجب عن وجوبه وليس مشترك الورود ؛ لجواز ترك المخيّر إلى بدله.
فإنْ أرادوا هذا المعنى فمرحباً بالوفاق ، وإلّا فهو ضعيف كضعف ما قيل من أنّ التخيير إنّما يتمّ لو قيل بتباين الصفتين ، لا بأنّ الإخفات جزء الجهر ؛ لأنّ الجهر وإنْ حصل به إسماع النفس مع الغير لكنّه يحصل دفعة ، فيتخيّر بين إسماع النفس وحدها وإسماعها مع غيرها. وبهذا اتّضح فجر الحال وزال غَيْهب الإشكال ، والله العاصم العالم بحقائق الأحوال ، ومنه التسديد في الأفعال والأقوال.
فيا أيّها الخائض في بحار التحصيل ، والمقتفي أثر ما يقتضيه الدليل ، انظر إلى ما قيل لا إلى مَنْ قال ، واعرف الرجال بالحقّ ، لا الحقّ بالرجال.
وقد استتمّ تحرير هذه الرقوم ، واستتبّ تحبير هذه الرسوم ، باليوم الثاني عشر من شهر رجب الأصبّ الأصمّ الأغرّ لسنة ١٢٧٤ الرابعة والسبعين بعد المائتين والألف من الهجرة النبويّة ، على مهاجرها وآله أفضل الصلاة والتحيّة ، بقلم مؤلّفها المتعطّش لفيض ربِّه السيحاني : أحمد بن صالح بن طعّان البحراني ، جعل الله خير يوميه غده ، ورزقه من العيش أرغده ، وأيّده وسدّده وأرشده ، والمأمولُ ممّن يقف عليها أنْ ينظرها بعين الحقّ والإنصات والإنصاف ، وأنْ يتنكّب طريق التعنّت والاعتساف ، وأنْ يسدل ذيل العفو على ما يجده من الهفو ، فإنّ الخطأ والنسيان كالجبلّة الثانية للإنسان ، والحمد لله ربِّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.