ويؤيّده قول أبي الحسن الرضا عليهالسلام : « لا تنظروا إلى ما أصنع أنا ، انظروا إلى ما تُؤمرون » ، ولا يخفى ما فيه من الدليل التامّ. هذا مع أنّ أخبار نفي التقيّة فيها ولو نقل تواترها لكنّها آحاداً بالنسبة إلينا غير قابلة لمعارضة تلك الأخبار القويّة المعتبرة العظام ، والله العالم بحقائق الأحكام.
الثاني : هل المستحبّ إيقاع الجهر نفسه فيكون مستحبّاً عيناً وواجباً تخييراً ، أو أنّ المستحبّ اختيار ذلك الفرد بعينه والقصد إليه ، فيكون فعله واجباً ، واختياره مستحبّاً؟.
قال الأكثرون بالأوّل ، وبعضٌ بالثاني.
لنا على الأوّل : أنّ المنصوص عليه في الأخبار ، والمأمور بالإتيان به في الآثار من الأئمّة الأطهار ، هو إيقاع نفس الإجهار دون القصد إليه والاختيار ، كما لا يخفى على مَنْ جاس خلال الديار ، ضرورة مغايرة الشيء للقصد إليه ، فلا يتصوّر نسبة الاستحباب اليه عند أُولي الأفكار. ولو تعلّق الاستحباب بالقصد لجاز تعلّق الشيء بغير ما علّق به من غير ذكره ، وهو محالٌ بلا إنكار.
نعم ، إنّ المراد بذلك الاستحباب كون الجهر أفضل الفردين للواجب المخيّر فيهما ؛ لِتَأدّي الواجب بكلّ منهما ، لا الاستحباب بالمعنى المتعارف لِتَأَدّي الواجب في ضمنه ، فلا يكون مستحبّاً ، وكونه كيفيّةً له ، فلا يكون واجباً استقلاليّاً بصحيح الأنظار ، مع أنّ استحباب القصد والاختيار فرعُ استحباب المقصود والمختار ، فاعتبروا يا أُولي الأبصار.
احتجّ الآخرون بأنّ قراءة البسملة واجبة ، والجهر صفة من صفاتها وهي تابعة لموصوفها ، فيلزمها من وجوب البسملة وجوب الصفة جهراً أو إخفاتاً ، فلا يكون الجهر مستحبّاً.
والجواب : أنّا إذا فسّرنا الاستحباب بجعله أفضل الواجبين المخيّر فيهما ، لا يلزمنا
__________________
(١) التهذيب ٢ : ٨٢ / ٣٠٤.