لا إشعار لها بلزوم مراعاة القصد عند القيام بالامتثال فالهيئة الواردة عليها أيضا لا توجبه جزما.
ودعوى : أنّ مجرّد الإتيان بالمأمور به لا يسمّى إطاعة بل لابدّ ـ مضافا إلى ذلك ـ من قصد الانقياد غير مسموعة ، بعد مخالفته لما نشاهده من عدم توقّف صدق « الإطاعة » على حصول هذا القصد ، وإنّما يدور وجودا وعدما على إيجاد المأمور به في الخارج ولو مع عدم حصول القصد وترك إيجاده ، فالعبد الآتي بمطلوب مولاه كيفما اتّفق مطيع والتارك له عاص ، مع أنّ المنساق عن الأوامر المتعلّقة بالإطاعة عرفا ليس إلاّ تأكيد مدلول الأوامر الخاصّة المتعلّقة بالعناوين المخصوصة مطلقة كانت أو مقيّدة ، من دون قضائها بزوال ما فيها من الإطلاق ولا إيجابها زيادة في تقييدها.
ولا يقابل ذلك بأولويّة التأسيس ـ على فرض تماميّة أصل القاعدة ـ بعد ما قام الدليل على تعيّن التأكيد الموجب لانتفاء موضوع تلك القاعدة وهو الدوران ، فيكون مفاد تلك الأوامر مفاد حكم العقل بلزوم الإتيان بكلّ عنوان مأمور به والمنع عن العصيان بتركه من غير أن يوجب زيادة فيما تضمّنه الأمر الوارد على ذلك العنوان ، فكما أنّ العقل بعد ما ظفر بتلك الأوامر ولاحظها بعناوينها المخصوصة ينتزع عنها باعتبار ما بينها وبين الآمر والمأمور من الإرتباط الراجع إلى مقام الامتثال مفهوما اعتباريّا يكون مشتركا بين جميع تلك العناوين والأوامر المتعلّقة بها ، فيلزمه على ذلك الأمر المشترك مخافة أن يصيبه بسبب العصيان والإقدام على المخالفة فتنة في الآجل والعاجل من غير أن يداخل في مداليلها بزيادة أو نقيصة ، فكذلك الشارع لكمال رأفته على المكلّف أو شدّة اهتمامه بمطلوباته بعد توجيه الأوامر الخاصّة إليه يلاحظ ذلك الأمر المشترك فيخاطبه بما يوجب إلزامه عليه تأكيدا لما اقتضاه كلّ أمر في مورده الخاصّ من دون أن يتصرّف فيه ثانيا بزيادة أو نقيصة ، فيعبّر عنه بقوله : « أطع » تنزيلا للإتيان به مطلقا منزلة التذلّل والانقياد في عدم تعقّبه الفتنة والعصيان واستحقاق الذمّ والخذلان لو سلّم مدخليّة القصد المذكور فيهما عرفا ولغة ، وإلاّ فهو جرى على حقيقة اللفظ وإطلاق له على حقيقة معناه وهو الإتيان بالمأمور به على وجهه والاجتناب عن المنهيّ عنه كذلك.
وإلى ذلك ينظر أمر الولد والعبد والزوجة بإطاعة أبيه وسيّده وزوجها ، ويرشدك إلى ذلك أيضا ملاحظة عدم الفرق إجماعا في لزوم الإطاعة بين الأوامر والنواهي ، مع أنّها لا مدخليّة في الامتثال بها لغير ترك العصيان الّذي ألزم عليه العقل من باب اللطف جزما.