فإن أتى به المكلّف فلا تكليف عليه سواه ، وإن بنى على العصيان وعلم بإخلائه ذلك الزمان عن ذلك الفعل تعلّق به الأمر الآخر فيكون تكليفه بالثاني على وجه عصيان الأوّل ولا مانع منه أصلا » إلى آخره.
وبما قدّمنا في تزييف هذا الكلام تعرف ما فيه هنا ولا نعيده من جهة عراه عن الفائدة.
وربّما يذكر في المسألة قولا آخر عن بعض أواخر المتأخّرين (١) وهو التفصيل بين ما إذا كان فعل الضدّ رافعا لتمكّن المكلّف عن أداء المأمور به فيحرم ويكون منهيّا عنه ، كالمسافرة إلى البحر المانعة عن أداء الحقّ الواجب المضيّق إلى صاحبه ، وما إذا لم يكن الضدّ رافعا لتمكّنه عن أداء الواجب ، كقراءة القرآن في مكان أداء الشهادة ، فإنّها وإن كانت ضدّا له غير أنّها لا توجب امتناعه على المكلّف لأنّه يقتدر في كلّ آن من آناتها على قطعها للاشتغال بالواجب فلا يكون محرّما ومنهيّا عنه.
وعبارته المسوقة لبيان هذا الفرق مع دليله ما حكاه بعض الفضلاء ملخّصا : من أنّ إيجاب الشيء إنّما يقتضي بحكم العقل والشرع والعرف إيجاب التهيّؤ له والتوصّل إليه ، فيجب فعل ما يقتضي وجوده وجوده كالسبب ، وترك ما يقتضي تركه فعله كترك الحركة المقتضي لتحقّق السكون الواجب ، وترك ما يقتضي عدم التمكّن منه كالمنافيات ، فالضدّ إن كان ممّا يوجب فعله عدم التمكّن من الواجب كالسفر المانع من إيصال الحقّ المضيّق إلى صاحبه فهو محرّم ، سواء قصد به الغاية المحرّمة أم لا ، لأنّ إباحته تقتضي عدم الإثم فيما يترتّب عليه وإن قدر على أداء الواجب بعده ، فلو لم يكن الضدّ الموجب لعدم التمكّن منه محرّما لزم خروج الواجب عن كونه واجبا.
ولأنّ قضيّة إناطة الأحكام بالحكم والمصالح هو تحريم ما يقتضي رفع التمكّن من فعل الواجب ، ولما ورد من النهي عن دخول البحر قبل الصلاة لمن لا يتمكّن من الخروج منه لأدائها وغير ذلك ، وإن لم يرفع تمكّنه بل كان في جميع أفعال الضدّ متمكّنا من تركه وأداء الواجب ، كما لو ترك أداء الحقّ المضيّق وتشاغل بالصلاة فإنّه يتمكّن في كلّ حال من أحوالها أن يتركها ويتشاغل بالواجب ، ففعل الصلاة ممّا لا يقتضي رفع تمكّنه منه عقلا وهو واضح ، ولا شرعا لسبق الحقّ المضيّق على الدخول فيها فيجوز الإبطال كغيره من الامور المقرّرة عليها ، فلا يلزم من إيجاب الواجب تحريم مثل هذا الفعل ، إذ ليس في تركه
__________________
(١) وهو الشيخ أسد الله التستري على ما حكي. ( منه ).