وحقيقة الوجوب ليست إلاّ رجحان الفعل مع المنع من الترك *. وليس هذا معنى النهي عن الضدّ الخاصّ ضرورة **.
وأمّا التضمّن ، فلأنّ جزءه هو المنع من الترك. ولا ريب في مغايرته للأضداد الوجوديّة المعبّر عنها بالخاصّ.
وأمّا الالتزام ، فلأنّ شرطها اللّزوم العقليّ أو العرفيّ. ونحن نقطع بأنّ تصوّر معنى صيغة الأمر لا يحصل منه الانتقال إلى تصوّر الضدّ الخاصّ ، فضلا عن النهي عنه.
ولنا على انتفائه معنى : ما سنبيّنه ، من ضعف متمسك مثبتيه *** ، وعدم قيام دليل صالح سواه عليه.
__________________
الأوّل مدلولا للصيغة من باب الوضع العامّ مع الموضوع له العامّ والثاني مدلولا لها من باب المداليل الحرفيّة ، والوجه في ذلك أنّ الجمع بين هذين الوجهين غير ممكن بوضع واحد ، ولكنّه كما ترى أبعد الاحتمالات ولا أظنّ من الاصوليّين من ظنّه وصار إليه.
* ولا يخفى ما فيه وفيما سيأتي من بيان ماهيّة الوجوب من المسامحة ، فإنّ الوجوب بمعنى الإيجاب وصف للآمر مأخوذ فيه الطلب جنسا له والرجحان وصف في الفعل المأمور به ، وهو من لوازم الطلب والعلل الداعية إليه ، وكذلك لو جعلناه بالمعنى الراجع إلى الفعل فإنّه أيضا وصف آخر للفعل مبائن لوصف الرجحان مبائنة المعلول لعلّته والمسبّب لسببه ، وكأنّه أراد به تفسير الوجوب بما هو لازم له ولكنّه لا يلائمه تصريحه الآتي بكونه كالمنع من الترك جزءا للماهيّة ، وكيف كان فلا يخلو العبارة عن نوع حزازة ولكن الخطب فيه سهل.
** لأنّ معناه طلب ترك الضدّ مع المنع عن فعله ، وهذا يبائن المعنى الأوّل جنسا وفصلا كما يشهد به الضرورة.
*** إذ ليس لهم سوى وجوب المقدّمة واستلزام تحريم اللازم لتحريم الملزوم ، وكلاهما ممنوعان.
وقد يورد عليه : بأنّ ضعف متمسّك القوم وعدم وجدان دليل آخر عليه لا يدلّ على انتفائه.
أقصى الأمر قضاء ذلك بالوقف فكيف يجعل ذلك دليلا على عدم الاستلزام.