ولنا على الاقتضاء في العامّ بمعنى الترك : ما علم من أنّ ماهيّة الوجوب مركّبة من أمرين * (١) ، أحدهما المنع من الترك. فصيغة الأمر الدالّة على الوجوب دالّة على النهي عن الترك بالتضمّن ، وذلك واضح.
__________________
وأنت بالتأمّل فيما قدّمناه في تأسيس الأصل تقدر على دفع ذلك ، فإنّ دليل عدم الاستلزام حقيقة هو الأدلّة القاضية بإباحة الضدّ بالمعنى الأعمّ ، وظاهر أنّ دليل الخصم لو كان إنّما يرد مورد دعوى التخصيص أو التقييد ، والمفروض انحصاره في الوجهين المذكورين على حسب الظاهر ، فإذا تبيّن ضعفه وقصور دلالته تبقى الأدلّة الأوّلية القاضية بالاباحة سليمة عن المعارض ولو بضميمة الأصل.
* واعترض عليه بعض المحقّقين : بأنّ تركّب معنى الوجوب من أمرين ـ على تقدير تسليمه ـ لا يستلزم تضمّن الأمر لهما ، فإنّ الوجوب حكم من أحكام المأمور به وليس مفهومه عين مفهوم الأمر ، بل الحقّ استلزام الأمر بالشيء النهي عن تركه لزوما بيّنا بالمعنى الأعمّ.
ومثله ما في كلام بعض الأعاظم من أنّ ذلك لو سلّم لا يستلزم المدّعى ، لكون الأمر حقيقة في الطلب الحتمي ولا تركيب فيه ، وعدّ الوجوب مدلولا للأمر في كلماتهم لو أرادوا منه ذلك مسامحة ، والمنع من الترك كترتّب العقاب خارجان عن مدلول الصيغة لغة وعرفا وشرعا.
وما في كلام بعض الأعلام من أنّ المنع من الترك ليس جزء معنى « افعل » فإنّ معناه هو الطلب الحتمي الجازم ، ويلزمه إذا صدر من الشارع ترتّب العقاب على تركه والممنوعيّة عنه ، فالمنع عن الترك ـ لو سلّم كونه جزء معنى الوجوب ـ لا يلزم منه كونه جزء معنى « افعل ».
وما في الضوابط من أنّ الفرق بين التضمّن والالتزام أنّه يتبادر إلى الذهن في الأوّل الهيئة التركيبيّة ويفهم الجزء في ضمن الكلّ وفي الثاني يتبادر إلى الذهن أوّلا الملزوم ثمّ ينتقل بعده إلى اللازم ، والأمر في المقام من هذا القبيل إذ المتبادر من « الأمر » أمر بسيط إجمالي وهو طلب الشيء وإظهار محبوبيّته حتما ، ثمّ بعد ذلك بل بعد تصوّر الطرفين يفهم النهي عن الترك التزاما ، فالقول بأنّ صيغة الأمر دالّة على المنع من الترك بالتضمّن فاسد ، لأنّ دلالة « الأمر » على نفس الوجوب التزامي فكيف يكون دلالته على جزء الوجوب تضمّنيا.
ولا يخفى أنّ هذه العبارات كلّها واردة في سياق تسليم كون « الأمر » حقيقة في الطلب الحتمي ، والتفكيك بينه وبين الوجوب الّذي هو مركّب عن أمرين على الفرض أو الواقع ،