ولنختم الكلام بعد الفراغ عن أصل المطلب بذكر امور تتعلّق به :
الأمر الأوّل : في أنّ الواجب الغيري هل يعقل تعلّق الوجوب به قبل وجوب ذلك الغير الّذي في مقابله ، أو انّه لا يجب إلاّ بعد تعلّق الوجوب بذلك الغير؟ فيه قولان بل أقوال ، ثالثها : تفصيل بين ما لو كان ذلك الغير واجبا مضيّقا فيقدّم الوجوب على وجوبه ، وبين ما لو كان موسّعا فلا يقدّم.
وهذا الكلام كما ترى جار بل الخلاف واقع في سائر المقدّمات على القول بوجوبها ، وضابطه : أنّ ما وجب لوجوب غيره بخطاب تبعي عقلي كمقدّمة الواجب ـ على القول بالوجوب ـ أو بخطاب أصلي شرعي كالوضوء ونحوه من الواجبات الغيريّة بالأصالة فهل يتصوّر أن يتقدّم وجوبه على وجوب ذلك الغير أو لا؟
واختار بعض مشايخنا ـ مدّت إفاداته ـ القول الأوّل ، مصرّحا بأنّه إذا ثبت وجوب شيء في وقت وكان له مقدّمة ـ ولو شرعيّة ـ وعلم بأنّه سيصير واجبا بلا تخلّف فالعقل قاض بجواز اتّصافها بالوجوب مقدّما على وجوب ذيها ، بمعنى كونها ممّا لا يرضى الله عزّ وجلّ بتركها ولو قبل أن يطلب ذاها ، وهذا ممّا لا غائلة فيه ولتحقيق القول في ذلك وتفصيل الكلام فيه محلّ آخر أليق من المقام سيأتي إن شاء الملك العلاّم.
الأمر الثاني : لا يعتبر في تعلّق الوجوب بما يجب لغيره إرادة الإتيان بذلك الغير ، لأنّه في وجوبه متفرّع على ذلك الغير ، فكما أنّ الإرادة لا مدخل لها في وجوبه فكذا في وجوب ما هو فرع له.
نعم على القول بكونها من مقدّمات الوجوب ـ كما عليه أكثر العامّة ـ يتوجّه توقّف وجوبه على إرادة الإتيان بما هو أصل له ، ولكنّه في البطلان بمكان لا حاجة معه إلى البيان.
الأمر الثالث : هل الواجب الغيري يعتبر في الامتثال به قصد الامتثال بذلك الغير ، بحيث لولاه حين الإتيان به لكان المأتيّ به شيئا لا مدخل له بالمأمور به ولا يحصل به امتثال الأمر الغيري أو لا ، بل الامتثال حاصل بمجرّد الإتيان به ولو لم يكن عازما على الإتيان بذلك الغير؟ وجهان.
وربّما يستظهر ثانيهما عن جماعة ، واستشكل فيه شيخنا ـ زيد فضله ـ مرجّحا للوجه الأوّل وجعله لازما لقول من يرى نيّة الاستباحة شرطا في الوضوء ، بل وقصد رفع الحدث أيضا كذلك ، إذ لا معنى لقصد رفع الحدث إلاّ رفعه لأجل الصلاة فهو مستلزم لقصد الإتيان